محمد بن علي الوهيبي
في بدايات السبعينيات من القرن الماضي عشنا نحن جيل تلك الفترة السينما بكل سحرها ومباهجها فما إن ندخل تلك القاعة المظلمة حتى ننفصل عن عالمنا الخارجي، فكنا ننصت لصوت دوران بكرات الأفلام التي تصدر من الغرفة العالية المقابلة لشاشة العرض والتي يخرج منها الضوء كأنه خارج من فانوس سحري.
وكان ذلك الضوء يصطدم بحائط العرض ليعكس لنا المشاهد السينمائية المشهد تلو الآخر بمصاحبةالمؤثرات الصوتية وفترات الحوار والسكون، فكنا في مراحل البدايات نذهب للسينما بغرض التسلية وقضاء الوقت فقط ثم تحولنا لمرحلة اختيار نوعية الأفلام التي تستحق أن نقضيها في ذلك المكان الساحر بعد معرفة عنوان الفيلم ومخرجه وأسماء المشاركين فيه وكذلك معرفة مضمون الفيلم (اجتماعي -سياسي -تاريخي -الخيال العلمي -أفلام الحركة والأفلام البوليسية- أفلام الحروب والسير الذاتية والفانتازيا……….)
وهنا سأحاول استعادة سنوات الشغف السينمائي في بواكيرها وتذكر السينما وبدايتها…ففي مدينة روي كانت توجد خمس دور للسينما خلال سنوات السبعينيات والثمانينيات -لم يبق منها الآن سوى اثنتين فقط -.
كما كانت توجد سينما واحدة في ولاية السيب وأخرى في ولاية قريات .
كنا في ظهيرة اليوم الذي نحدده لمشاهدة فيلم سينمائي نتنقل بين تلك الدور للبحث عن أفضل الأفلام لنستمتع بمشاهدته وكان ثمن تذكرة الدخول (250) بيسة.
وإذا أردنا أن نستعرض كل دار سينمائية وموقعها تأتي سينما الشعب التي تغير مسماها بعد ذلك إلى سينما بلازا في المقدمة و التي لم يقتصر دورها على تقديم العروض السينمائية بل قُدم على مسرحها حفلات الأعياد الوطنية فهنا غنى سالم راشد الصوري و حكم عايل ومسلم علي عبدالكريم ومحمد حبريش في تلك الاحتفالات وهنا غنت سميرة توفيق أشرق الصبح على أرض عمان وغنى فهد بلان جيش عمان المغوار واقف على حدود النار .
وفي هذه السينما شاهدنا لأول مرة الممثل الهندي دار مندرا بطل فيلم الشعلة أو شولي و هيما مالي التي رقصت على الزجاج في ذلك الفيلم لتنقذ بطلها المحبوب وهنا أيضا شاهدنا فيلم الوسادة الخالية لعبد الحليم حافظ وهنا شاهدنا فيلم سينجام لراج كبور والعديد من الأفلام…وفي مرحلة لاحقة هدم مبنى سينما بلازا وتم تحويل أرضه المواجهة الآن لجامع السلطان قابوس بروي لتكون محطة انتظار لسيارات الأجرة .
وليس ببعيد عنها سينما روي التي بُنيت بين منطقة طوي العلاية ومنطقة طوي الرصاصي وهي لا تزال صامدة في مكانها حتى الآن وتواصل تقديم عروضها السينمائية ثم تغير مسماها بعد ذلك إلى مسمى سينما النصر ثم إلى المسمى الجديد سيتي سينما.
و أمتعتنا هذه السينما بالعديد من الأفلام العربية والهندية وأفلام هوليوود وكان أكثر المعروض أفلاما هندية حيث تعرفنا من خلالها على أميتاب باشان(أميتا بتشن ) الذي لا زال نجمه ساطعا إلى الآن….. والذي صفقنا له كثيرا في أفلام (الأكشن) هو ودار مندرا وفينود كنا و أمجد خان الذي أتقن أداء أدوار الشر في كل فيلم والذي يقابله في الأفلام العربية توفيق الدقن و محمود المليجي وهنا شاهدنا زينات آمان وراج كابور…
وأتذكر أفلاما رائعة مثل الفيل صديقي ، درانفير، شولي ، آمر أكبر أنتوني ،طوفان، جكنو ، دوستانا، قرباني .
ولا تبعد عنها كثيرا سينما عمان الجديدة و تلك كانت سينما ليلية فقط وذلك لكونها بدون سقف والتي قام على أنقاضها بعد ذلك مجمع مزون التجاري .
أما السينما التي كنا نفضلها كثيرا وعششت أفلامها في الذاكرة هي سينما ركس.و أُغلقت هي الأخرى أبوابها و حل محلها الآن قاعة أفراح وكان موقعها بالقرب من مدرسة روي الثانوية للبنات وكانت هذه السينما تعرض أكثر من فيلم بتذكرة واحدة وتقدم أحدث الأفلام العربية والأجنبية وفيها شاهدنا العديد من الأفلام و لا يغيب عن البال فيلم بابيلون (الفراشة) بأحداثه الممتعة والذي كان من تمثيل داستن هوفمان وستيف ماكوين كما امتعتنا كثيرا مشاهدة سلسلة أفلام بروسلي..
ويحسب لسينما ركس أنها تفردت بعرض الأفلام الإيرانية التي كانت في عز ألقها في ذلك الوقت كما كانت تعرض أيضا الأفلام الإيطالية . وكانت سينما ركس تنافس في عرض أحدث الأفلام عند نزولها في أسواق السينما وأتذكر أنها عرضت فيلم عمر المختار لأسابيع طويلة كفترة عرض أول
وفي الجانب الآخر للوادي تقع أفخم سينما أنشئت في منتصف السبعينيات وهي سينما النجوم والتي كانت راقية في عروضها السينمائية واختياراتها حتى في نوعية المرتادين لها وأيضا هي كانت مسرحا للاحتفالات الوطنية
ووصل الأمر بسينما النجوم في تقديم أفضل الخدمات السينمائية في ذلك الوقت أنها كانت تصدر منشورا شهريا بالأفلام التي تعرضها خلال شهر على شكل كتيب أنيق يحتوي على (أفيشات)الأفلام وسرد مختصر عن كل فيلم وكذلك يوم وتاريخ ووقت عرض كل فيلم وفيها شاهدنا أفلاما عربية رائعة مثل فيلم عودة الابن الضال الذي كتبه صلاح جاهين وأخرجه يوسف شاهين وكان من تمثيل محمود المليجي وشكري سرحان وماجدة الرومي وهشام سليم..
كما شاهدنا هناك أيضا فيلم الأرض وفيلم الرصاصة لاتزال في جيبي وناصر 56 للرائع أحمد زكي.
فشكرا لتلك الدور التي أمتعتنا بعروضها الرائعة في ذلك الوقت المبكر وقدمت لنا ذلك السحر والألق عن الفن السابع عبر لوحات متحركة نقلتنا من مكان لآخر ومن زمان لآخر ونحن في مقاعدنا متسمرين.