أبجد

محمد الهادي الجزيري يكتب: مقالات في الأدب والتاريخ والثقافة الشعبية

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

في ثقافة الصحراء
مقالات في الأدب والتاريخ والثقافة الشعبية
العالية ماء العينين


محمد الهادي الجزيري

العالية ماء العينين اسم كبير من بيت علم عريق وصديقة عزيزة لي ..، واليوم يصلني منها كتاب معنون ب ” في ثقافة الصحراء..” فيأخذني إلى عوالم ثريّة كنت قد تعرفت عليها حين كتبت عن كتابها ” التبراع ” ..، وإنّه لشرف لي أن أدخل هذا الكتاب وأتجوّل داخله مستفيدا من غزارة علم ودراية الكاتبة التي افتتحت متنها بتقديم يشرح ما احتواه الكتاب من دراسات وأبحاث متنوعة خيّرت تقديمها دون أيّ رابط بينها أو تعديلات عليها، تاركة ” للقارئ حرية التجوال بين دفتيه وتلمس خيوط الربط والاتصال بين أجزائه ..” وإنّي كقارئ سأنتقي من داخل هذا البحر المعرفي ما يُدهش وما يسرّ …

يحتوي الكتاب على اثني عشر دراسة عن المرأة والمجال الحساني/ الصحراوي وعن فكر وحياة الشيخ ماء العينين وعن الإبداع النسائي في الشعر أم التبراع ..وتقديرا للكاتبة سنورد في هذه المقالة الإخبارية نبذة من الفصل المعنون ” المرأة في فكر وحياة الشيخ ماء العينين ” نوردها احتراما لهذا العلاّمة الفذّ الذي لم تثنه صفاته ومشاغله السياسية والفكرية والعسكرية عن الاهتمام والحفاوة بالمرأة…فهو شيخ جليل وعالم مربي ..يجد القدرة والرغبة والعفوية في مخاطبة زوجته بكلّ ودّ ورقّة وعذوبة ..، إضافة أننا وجدنا أنفسنا فيه ..فكم نقدّس من يحترم المرأة …، وهذا بعض ما ورد في رسالته والكلام للعالية ماء العينين :
” بالرجوع إلى الرسالة يمكن الوقوف في قراءتها على جوانب كثيرة في التعامل مع المرأة، فالوثيقة قابلة لقراءات عميقة وموسعة سأكتفي هنا بإيراد بعض نقاط الجذب والتي تتطلّب الوقوف عندها لما لها من أهمية ولأنني أعتبرها سابقة لعصرها وقابلة للتحيين آنا ومستقبلا.
يفتتح شيخنا رضي الله عنه رسالته بأبيات من الشعر الغزلي:
سلام على ميمونة كالضوء في الشمس
يدوم على أُمّيمنَ كالشمس للدمس
فموجبه أنّي العهد دائما
وأنت على عهدي فدومي إلى الرمس
هذا الشيخ الجليل والقائد العظيم والعالم المربي الذي يحمل على أكتافه من الهموم والمسؤوليات، ما يشيب له الولدان يجد النفس والقوّة والوقت، ليخاطب زوجته بكلّ هذه الرقّة والعذوبة والغزل ولا يتردّد في بثّ أشواقه وتأكيد البقاء على العهد ويناديها تدليلا باسم تحبب
( أُمّيمن ) فالشيخ هنا يتعامل بخبرة العالم والمربي بطبيعة النساء الرقيقة والمرأة ككائن حساس ويحفظ لها كينونتها كأنثى وامرأة قبل أن تكون زوجة وأم…”





ثمّة فصل بعنوان ” الشعر السوسي ومواكبة للمقاومة المسلحة في الجنوب..” يعود بنا إلى بدايات القرن 20 إبان الاستعمار الفرنسي والاسباني وجهاد المغاربة لهم وكيف تفاعل الشعر السوسي مع تلك الأحداث ..، وقد اختارت العالية للبحث في هذا الموضوع اسما لامعا من معارفي الشيخ ماء العينين ..، فهو الطاهر الإفراني الذي يعدّ في ذلك العصر علامة كبيرا وشاعرا مبدعا..، وكانت له أشعار كثيرة في رثاء الشيخ ماء العينين وفي مدح الذي تلاه الشيخ أحمد الهيبة وفي بثّ الحماس في نفوس المجاهدين ..، قال في أوج الصراع مع الاحتلال ساعة دخول القوات السوسية والصحراوية إلى مراكش تحت قيادة الشيخ أحمد الهيبة :
” وسرى إلى الحمراء لا متهيّبا كلا وليس بعاجز مكسالِ
جيش كمسدول الدجى وفُواره ككواكب تحت القتام القالي
هنِئْتها مراكشا وحُمولها متفيئا منها بخير ظلال
فامدد يمينك نحو فاس وبعدها الأمصار فسعدك كافل بمنال
وارم المشارق والمغارب كلّها تأتيك عفوا دون علم نصب قتال ”




ونحن نطالع هذا الكتاب مدركين أنّ كاتبته امرأة مثقفة ..باحثة لا تدّخر جهدا في الانتصار لبنات جنسها ..نتوقّف عند الفصل قبل الأخير المعنون “الإبداع النسائي في الشعر الحساني”
ونقتطع منه بعض الأبيات التي تشهد للمرأة في تلك الربوع وفي كلّ مكان عموما نصيبا من العبقرية والإضافة ..، تقول الفتاة في حوار داخلي مع ذاتها:
” ذي ماهِ مَنّي سَقْمُ فَاتْ تْمكّنْ مَنّي ”
المعني: ليس لي يد في ما حدث فقد تمكّن حبّه الشديد منّي



وقد يبلغ حضور طيف الحبيب مداه حين يقتحم على العاشقة خلوتها مع ربّها وقت إقامة الصلاة ، وفي ذلك تقول :
” ومْنَينْ نْصلّي يحْجلْ ونّعلْ أمّلْ
والمعني : حين أبدأ بالصلاة أتذكّره فأعيد صلاتي ….


Your Page Title