أثير – ريما الشيخ
يعرف التعليم عن بعد بأنه عمليّة الفصل بين المتعلّم والمعلّم والكتاب في بيئة التعليم، ونقل البيئة التقليديّة للتعليم من جامعة أو مدرسة وغيره إلى بيئة متعددة ومنفصلة جغرافيًّا. وبسبب الظروف التي تمر بها السلطنة حاليًا، أجبر العديد من الطلبة لتكملة تعليمهم الدارسي عن طريق التعليم عن بعد.
لكن كيف يمكن الاستفادة من معطيات ومميزات التّعليم عن بُعد؟
عن ذلك تجيب الدكتورة رضية الحبسية، دكتوراه في الفلسفة ومتخصصة في الإدارة التربوية، “أثير” : للتّعليم عن مزايا وفوائد التي تُتيح فُرص التّعلم للجميع، وفق أساليب وطرق تراعي ظروف وإمكانات وأوقات المتعلمين، وتحقق مبدأ التّعلم مدى الحياة، فهو نمط تعليميّ مبنيّ على إيصال المعرفة والمهارات والمواد التّعليميّة إلى المتعلم عبر وسائط ووسائل تقنية مختلفة، حيث يكون المتعلم والمعلم في بيئتين جغرافيتين مختلفتين؛ لذا فالتّعليم عن بُعد يُعزّز المهارات الحياتيّة، مهارات التّفكير العليا، ومهارات القرن الحادي والعشرين. إلّا أنّ التّعليم عن بُعد قد لا يتناسب مع بعض التّخصصات التي تتطلب تطبيقات عملية، وتقييم مباشر باستخدام المواد والأدوات المناسبة لتلك التّخصصات.
وأضافت: لإنجاح التّعليم عن بُعد يتوجب توفير بيئات تعلم إيجابيّة؛ تُسهِل عملية تحقيق أهداف العمليّة التَّعليميّة التَّعلميّة على الوجه المأمول. ويُقصد ببيئات التّعلم، البيئة المادية والبيئة المعنوية. حيث تتمثل البيئة المادية الإيجابية في تهيئة مكان مناسب لتلقيّ الدروس، تتوافر فيه عناصر التّهوية الجيدة، والإضاءة المناسبة، بعيدًا عن عوامل التشتيت. في حين تتطلب البيئة المعنوية تحفيز الطلبة على التّعلم، من خلال أساليب التّشجيع المتنوعة اللفظية والمادية، مع مراعاة الجوانب النفسية للطالب. إذ يُعدّ التّحفيز من الأساليب الناجعة التي تحثُّ الطالب على مواصلة تعليمه بدافعيّة وإيجابية عالية، وبالتالي تحقيق مستوى تحصيلي مرتفع.
ولضمان الاستفادة من معطيات ومميزات التّعليم عن بُعد، أكدت الدكتورة بأنه لا بد من تفعيل دور المتعلم نفسه؛ كونه يمثل عنصرًا أساسيًّا في العمليّة التَّعليميّة التَّعلميّة. فمع هذا النوع من التّعليم يستدعي أن يكون الطالب مُتعلمًا إيجابيًّا نشطًا. وهناك من الأساليب والإجراءات التي تضمن بقاء الطالب متحمسًا فاعلًا طوال فترة التّعلم. فعلى سبيل المثال ،تنظيم جدول الحصص الدراسية، على أن يتخلل الجدول الدراسي فترات راحة مناسبة؛ تُساعد على تنشيط الطالب، ورفع دافعيته للتّعلم، والإبقاء على تفاعله طوال فترة الدراسة. بالإضافة إلى الإبداع في تصميم الأنشطة التعليمية، مع التّنويع في أساليب وتقنيّات التّعليم، باستخدام وسائط متعددة متنوعة. كما يمكن للمعلم أن يحافظ على نشاط الطالب بعيدًا عن الملل أو الضَّجر الذي يمكن أن ينتابه نتيجة تغيّر بيئة التّعلم، وذلك من خلال تشجيع الطالب على الحوار والمناقشة فترة تلقي الدروس، والمشاركة الفاعلة مع أقرانه خاصة فترة التّعليم المتزامن المباشر.
وذكرت أيضًا: أن تغيّر طبيعة دور الأسرة عمّا كان عليه في التّعليم وجهًا لوجه، يتطلب امتلاك مهارات معينة في التّعامل مع الطالب؛ للأخذ بيده ومساعدته في الالتزام بتحقيق أهداف التّعلم وفق النظام المعتمد، دون اللجوء إلى أساليب العقاب والتعنيف، التي من شأنها أن تُلقي بآثار نفسية على الطالب، تُعيق استمرار تعلمه بفعالية ونجاح.
أما عن الموجهات التي يمكن للأسرة أن تقوم بها؛ لمساعدة الطلبة في الالتزام بتطبيق متطلبات التّعلم عن بُعد، فقد أوضحت الدكتورة بأن على الأسر فعل الآتي:
– تحفيز الطالب على التّعلم من خلال توضيح النتائج الإيجابية للتّعلم عن بُعد على المدى البعيد. الذي يتيح له اكتساب مهارات وخبرات معرفية وتقنية متنوعة؛ تمكّنه من المنافسة العالميّة في ظل الثورة الصناعيّة الرابعة.
– بث روح التَّفاؤل والإيجابيّة في نفس الطالب تجاه التّعلم عن بُعد؛ على اعتباره توجه عالمي في مسيرة التّعليم؛ لمسايرة التقدّم العلمي والتكنولوجي في ظل العولمة.
– فتح قناة اتصال وحوار حقيقي مع الطالب، مع مراعاة الخصائص النمائية والنوع الاجتماعي للطالب، بما يضمن بناء جسور من الثَّقة بين ولي الأمر والطالب؛ لمواجهة أية تحديات قد تواجه عمليّة تقدّم الطالب في الدراسة.
– التّعرف على مواهب وهوايات الطالب، والعمل على توفير الأنشطة التَّعليميّة التي تُصقل مهاراته، وتنمي قدراته الفكريّة والعقليّة. فضلًا عن أهمية مشاركة الطالب في الأنشطة الحياتيّة المختلفة مع مراعاة الإجراءات الاحترازية للوقاية من احتمالية العدوى بفيروس كورونا المستجد.
– إعداد قائمة من القواعد، بمثابة اتفاقية بين ولي الأمر والطالب؛ تُنظّم سلوك وممارسات الطالب في التّعلم عن بُعد، بما يضمن التزام الطالب بتنفيذ الأنشطة والواجبات والمهام المطلوبة منه، والتقيّد بجدول الحصص الدراسية. مع انتهاج أسلوب التّحفيز والتّشجيع والمكافأة في ظل التزام الطالب بالاتفاقية، وتحقيقه نتائج تعليمية متقدمة.
وفي ختام حديثها مع “أثير” قالت الدكتورة رضية الحبسية بأن التّعليم عن بُعد يُمثّل توجهًا حديثًّا نسبيًّا في مجال التّعليم، يمنح المخرجات التعليمية فرصة المنافسة الكونيّة سواء من خلال الالتحاق بمؤسسات التّعليم العالي، أو الانخراط في سوق العمل، بإكسابهم المهارات والخبرات المتقدّمة في مجال تكنولوجيا التعليم، بما يحقق التّنافسية في البحث العلميّ والابتكار والإبداع، ولاستثمار معطيات التّعليم عن بُعد بالدرجة القصوى، يتطلب الاستعداد الجيّد لتطبيقه من النَّواحي التخطيطيّة والسياسيّة، الماديّة واللوجستيّة، التقنيّة والبشريّة، الفكريّة والثقافيّة.