الدكتور بدر المسكري- كلية الحقوق –جامعة السلطان قابوس
يتناول هذا المقال موضوع إعادة هيكلة الشركات التجارية الذي استحدثه المشرع العُماني في قانون الإفلاس، الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 53/2019، حيث بات الأمر ضروريا في ظل التقلبات الاقتصادية التي تحدث بين عشية وضحاها.
الحادث عملا أن الشركات التجارية، في ظل تقلب الأسواق وتغير الظروف الاقتصادية، قد تواجه صعوبات مالية من شأنها التأثير على استمرارها وبقائها وقد حاول المشرع جاهدًا في قانون الإفلاس منح الشركات المضطربة الفرصة للعودة للحياة، والنهوض مرة أخرى، فأجاز لها اللجوء إلى استخدام نظام إعادة الهيكلة، ومن هنا تأتي أهمية المقال لنوضح في القسم الأول منه تعريف إعادة هيكلة الشركات، وبيان كيفية إعادة الهيكلة، وما يترتب على ذلك من آثار، لكي نصل في النهاية إلى تقييم نظام إعادة الهيكلة الوارد في قانون الإفلاس العُماني.
ويُعرِّف قانون الإفلاس العُماني إعادة الهيكلة في المادة (1) بأنها: “الإجراءات التي من شأنها مساعدة التاجر المدين على خروجه من مرحلة الاضطراب المالي والإداري؛ لسداد ديونه، وفق خطة إعادة الهيكلة”.
ويتضح من التعريف أن إعادة الهيكلة وسيلة اتفاقية، تتم بين التاجر المدين بما في ذلك التاجر الفرد والشركة التجارية والدائنين، بإشراف القضاء ومتابعته، وفق إجراءات قانونية رسمها القانون، ويُبين التعريف أن إعادة الهيكلة تهدف إلى تحقيق التوازن بين مصالح المدين التاجر والدائنين؛ ليضمن استمرار عمل الشركة المضطربة، وحصول الدائنين على أموالهم المستحقة.
وتتمًّ إعادة الهيكلة بطرق مختلفة، منها: أن يتم الاتفاق على منح المدين مهلة أطول لدفع ديونه، أو يتم إعفاؤه من جزء من ديونه، أو يكون الاثنين معا، أي: منح المدين مهلة إضافية، وإعفاؤه جزءًا من ديونه الواجبة السداد.
ولا شك أن هناك شروطا موضوعية وشكلية، يجب توافرها للموافقة على طلب إعادة الهيكلة، أما الشروط الموضوعية، حسب نص المادة السادسة (6) من قانون الإفلاس العُماني، فهي تتعلق باكتساب صفة التاجر، واضطراب أعماله، وعدم ارتكابه الغش، ومزاولته التجارة بصفة مستمرة خلال السنتين السابقتين على تقديم طلب إعادة الهيكلة.
وهذا يظهر أن المشرع العُماني اشترط أن يكون طلب تقديم إعادة الهيكلة عند اضطراب العمل وقبل التوقف عن دفع الديون، مع كون الاضطراب جديًا وخطيرًا، وليس مؤقتًا وعرضيًا، يستخدمه التاجر للتهرب من دفع ديونه الواجبة السداد.
وفيما يخص الشروط الشكلية التي وضعها القانون المذكور فتتمثل في تقديم طلب للدائرة المختصة – وهي دائرة التدقيق والرقابة على المنشآت التجارية في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار- خلال ستة أشهر من تاريخ اضطراب أعمال التاجر المدين.
ويلاحظ أنه إذا تمَّ قبول طلب إعادة هيكلة الشركة المتعثرة، ترتبت جملة من الآثار، أهمها:
أولا: استمرار المدين في إدارة أمواله، ويدل على ذلك ما نصَّت عليه المادة 18 من قانون الإفلاس العُماني: ((يستمر التاجر المدين في إدارة أمواله في مرحلة تنفيذ خطة إعادة الهيكلة، ويظل مسؤولًا عما ينشأ عنها من التزامات أو تعاقدات سابقة أو لاحقة لتاريخ اعتماد خطة إعادة الهيكلة، وبما لا يخالف هذه الخطة).
وحرصًا من المشرع على حماية أموال الدائنين من سوء نية المدين وعبثه- خصوصًا في مرحلة الاضطراب المالي- فقد أخضعه في أثناء تنفيذه خطة إعادة الهيكلة لإشراف معاون، وحظر عليه القيام ببعض التصرفات التي من شأنها إضعاف مركزه المالي، والإضرار بدائنيه، فمنعه من التبرع والهبة والكفالة، ونحوها.
ثانيًا: وقف طلبي شهر الإفلاس والصلح الواقي منه؛ وذلك ليتمكن التاجر المضطرب من الخروج من مرحلة الاضطراب المالي والإداري، ويسدد الديون الواجبة السداد؛ إذ من المقرر أن صدور حكم شهر الإفلاس، أو افتتاح إجراءات الصلح الواقي منه من شأنه منع التاجر من تقديم طلب إعادة الهيكلة.
ثالثًا: وقف قيد الدعاوى والإجراءات القضائية؛ وذلك من أجل تمكين التاجر من تنفيذ الخطة المرسومة لإعادة الهيكلة؛ إذ ليس من الحكمة أن يرفع الدائنون دعاوى ضد التاجر المضطرب، فيصبح تنفيذ الخطة أمراً صعبًا إن لم يكن مستحيلًا.
ممَّا تقدم يتبيَّن حرص المشرع العُماني على إعادة هيكلة الشركات المتعثرة، ومدى حرصه على تنظيم عقد اتفاق بين الدائنين والشركة المدينة تحت إشراف السلطة القضائية؛ ليضمن تحقيق مصالح الأطراف كلها، مع وجوب استيفاء الشروط الموضوعية والشكلية التي وضعها القانون؛ ليكون اتفاق إعادة الهيكلة سليمًا وموافقًا لأحكام القانون، فمن المؤكد أن تطبيق إعادة هيكلة الشركات على أرض الواقع له دور كبير في نهوض الشركات المتعثرة مرة أخرى، والإسهام في دعم الاقتصاد الوطني، وتعزيز مكانة سلطنة عُمان في مجال الازدهار والاستثمار.