أثير- مكتب القاهرة
حوار: محمد الحمامصي
قالت الشاعرة والروائية والفنانة التشكيلية الإماراتية ميسون صقر بأن سلطنة عمان لديها شعراء مهمون وتجارب ثقافية وشعرية ثرية، فهناك إلى جانب تجربة الشاعر الكبير سيف الرحبي تجارب مهمة لسماء عيسى، ومحمد الحارثي، وعبد الله الريامي، وناصر العلوي، ومبارك العامري، وصالح العامري، وعاصم السعيدي، ويحيى اللزامي، ومحمد اليحيائي، مؤكدة بأن السلطنة غنية بكتابها وشعرائها ومسرحييها ومثقفيها، وهي تمتلك نخبة ثقافية متميزة .
وأضافت في حوار لـ “أثير” بأن المشهد الثقافي في سلطنة عمان ذو فعل تراكمي عميق، ممتد منذ قرون طويلة من الزمن، كان فيها العماني-وما زال- مشاركا في صناعة الصورة الثقافية العامة في الخليج والأمة العربية.
وحول فوزها بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب عن كتابها “مقهى ريش”الصادر عن دار نهضة مصر قالت ميسون: الجائزة لها وقع مختلف لي، كما أنني أشعر بالامتنان والفخر، وأشرف بهذه الجائزة التي هي وسام على صدري كأول كاتبة إماراتية تنالها في فرع الرواية منذ نشأة هذه الجائزة وإن حاز ذلك الشرف ثمانية آخرون في الفروع الأخرى في شخصية العام، والنشر والتقنيات الثقافية، والتنمية وبناء الدولة، وفي أدب الطفل والناشئة، وأنظم إليهم الآن بفخر وفرح واعتزاز.
ورأت أن “الروايات هي أرشيف الحياة الواقعية ممزوجا بالحلم والشغف كإضافة أخرى للقدرة على الحياة وأثرها الأهم في كونها وثيقة إبداعية بين الواقع والخيال ننشئ منها مكانة أخرى في واقع الكلمة التي انتخب منها أقل القليل منذ ترجمة ألف ليلة وليلة (كأسطورتنا في الحكي اللاواقعي) إلى نجيب محفوظ (كأسطورتنا في الحكي المرتبط بالواقع الحي).
وذكرت ميسون صقر: كتاب “مقهى ريش” كان رحلة بحث عن هذا الحضور الطاغي في تكوين المدينة وسيرتها وشخصيتها أيضا من خلال نقطة صغيرة فيها من خلال المقهى، عن ثقافة المقهى، لا كمكان للجلوس فقط لكنه كحاوية مكان وتاريخ وزمن وأحداث وعلاقات، فيمكننا البدء من نقطة في المكان والزمان لكننا لا ننتهي منها إلا لهذا الاحتشاد العميق والكبير في السيرة أو في السير المتوالية والمتراكمة خلف بعضها مثل وردة تتفتح وريقاتها بأيدينا، كمطر يهطل بغزارة، هو ليس حكاية مقهى أي مقهى، ولا مدينة أي مدينة. هو تاريخ المفقود، والمخفي، والمردوم، في الذاكرة. بين واقع في التاريخ، وواقع بين السيرة والرواية، بين الحكائي والفني، وبين الجزيئات حين تكتمل فيلوحة فسيفسائية بتفاصيلها كلها.
وأوضحت “لم أكن أكتب سيرة من لحم ودم، لكنني كتبت سيرة بداخلها اللحم والدم والمواقف والأحداث والتغيرات سيرة مدينة (ليست أي مدينة لكنها القاهرة ويكفي اسمها القاهرة). ومن خلال مقهى تتداخل فيه سيرته الخاصة من بنيان، ومالكين، ووثائق، وأحداث، وسير الحاضرين، والمارين عليه، وسيرة بشر مروا وأقاموا واختلطوا وتفاعلوا. ومع فتح عدسة الرؤيا أوسع وأبعد من ذلك تتشكل سيرة المباني والشوارع والأمكنة بمن فيها وما فيها من حكايات. وكلما ابتعدنا كان وضوح صورة المدينة أكثر ارتكازا على اتساع الرؤية واشتمالها، وكلما اقتربنا كان المقهى النموذج المصغر للسيرة . وتتداخل وتتبادل فيه الشخصيتان أو الموقعان موقع المقهى وهو داخل الموقع الأكبر والأشمل وهو المدينة التي ينبض قلبها، وهي ليست صنفا، بل تتبعا للأصناف والأنساق المتعددة في سياق حضور الشخصية المركزية (المقهى في الظاهر المقدم كبطل للسيرة لكنه بطل لإظهار بطولة أخرى لشخصية أخرى) والشخصية المحورية و(هي المدينة التي تملك البطولة الحقيقية المطلقة في سياقها مع التاريخ والبشر والأحداث) نتلصص عليها من ثقب صغير في جدار الحداثة الضخم، ثم تتسع الرؤية وتتعمق في زمن يفوق المائة عام”.
وأوضحت في ختام حديثها لـ “أثير”: “كان اللعب على السرد كحكاية من خلالها تتفتح ألعاب كثيرة مثل البطولة، وعلى تعدد الأصوات، وأخذ المعلومة من أكثر من وسيط (تحليل الوثائق، وكتب التاريخ أو البحث عن التاريخ في السير والروايات والشعر، والحكايات المسرودة كتابة أو شفاهة من أكثر من وسيط باختلاف الرؤية أو اتفاقها)، ووضع أكثر من فكرة للبداية وللنهاية، وكيفية التقسيم الداخلي لتتبع شخصية المدينة في أحوال وتواريخ متفرقة، وكذلك المقهى، واللعب بتقديم بطل محدد لتنتهي البطولة لآخر هو المدينة في النهاية، والعمل على فكرة الحكي من نظرة من أعلى كنظرة الطائر المحلق وعند الشروع في الهبوط بتوسيع دائرة النظر ثم تركيزها وتضييقها على مكان ما من خلاله نعود ومن خلال عناصر أخرى للتحليق مرة أخرى. في العلو كانت المدينة بفسيفسائها الكبير وفي الهبوط كان المقهى بتفاصيله ومنمنماته مقارنة بالمدينة. وبين دفتي كتاب أبدأ فيه سيرة أشبه بحكايات ألف ليلة وليلة حيث يجرني كل شيء فيه لحكايات وسير وأحاديث لأنتهي بعالم أشبه بواقع الحياة المصرية فكلما فتحت حكاية ظهر بطل آخر لحكاية من خلال الحكاية الأولى. وكما يقال (كلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة) .