أثير – تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
شهد الجهاز الإداري لسلطنة عمان تطورًا كبيرًا منذ الأيام الأولى للنهضة العمانية المباركة التي انطلقت في الثالث والعشرون من يوليو عام 1970، حيث بدأت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان قابوس بن سعيد –طيّب الله ثراه– في بناء دولة المؤسسات، والانطلاق بعمان إلى مصاف الدول الحديثة، وقد تجلّى هذا الأمر منذ الخطاب السامي الأول في 23 يوليو 1970 عندما وعد جلالة السلطان شعبه بإقامة دولة عصرية قائمة على المؤسسات المختلفة في كافة المجالات: “إني أعدكم أول ما أفرضه على نفسي أن أبدأ بأسرع ما يمكن أن أجعل الحكومة عصرية”.
ومنذ تلك اللحظة انطلقت خطّة العمل، وعرفت سلطنة عمان العديد من المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية والفكرية في سعيّ دؤوب للانطلاق بعمان إلى مصاف الدول الحضاريّة المتقدمة، كما تمت الاستعانة بالعديد من الخبرات المحلية بالإضافة إلى الخبرات العربية والأجنبية لسدّ النقص الحاصل وقتها في الخبرات العمانية المؤهلة نظرًا لطبيعة ظروف تلك المرحلة.
وقد استعانت سلطنة عمان في مطلع النهضة المباركة بالعديد من الشخصيات العربية في مختلف المجالات، والتي أسهمت في بناء نهضة عمان جنبًا إلى جنب مع إخوانهم العمانيين، وكان من بين تلك الأسماء التي برزت في المجال الاقتصادي على سبيل المثال: الدكتور شريف لطفي مستشار جلالة السلطان، وفؤاد بسيسو الذي عمل كخبير في التخطيط الاقتصادي، وسعيد البرّاد الذي كان من الشخصيات البارزة في غرفة تجارة وصناعة عمان عند تأسيسها وعمل كمستشارٍ لها، والمهندس عادل مرعي، وغيرهم من الشخصيات في هذا المجال.
ومن ضمن تلك الشخصيات العربية التي ساهمت في نهضة سلطنة عمان الاقتصادية خلال العقد الأول من نهضتها المباركة، الدكتور رياض الريّس، وهو أحد الخبراء الاقتصاديين الدوليين من لبنان، ويتشابه في الاسم مع الصحفي الشهير رياض نجيب الريّس، وقد عمل الدكتور الريّس في المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والإنمائي عند تأسيسه في سبتمبر 1972.
“أثير” تسلط الضوء في هذا التقرير على هذه الشخصية العربية، وأبرز الأعمال التي قام بها خلال عمله في هذا المجلس.
الدكتور رياض الريّس
في 27 سبتمبر عام 1972 أصدر جلالة السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – القرار السلطاني رقم (14) الذي نص على تعيين الدكتور رياض الريّس مستشارًا اقتصاديًا لجلالته للإنماء والتخطيط اعتبارًا من 13 سبتمبر 1972.
عضو المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والإنمائي
يعد المجلس أحد المؤسسات الاقتصادية العديدة التي تم إنشاؤها خلال فترة السبعينات من القرن العشرين، حيث أعلن جلالة السلطان قابوس بن سعيد –طيّب الله ثراه- في خطابه السياسي بتاريخ 27 سبتمبر 1972 عن تشكيل مجلس أعلى للتخطيط الاقتصادي والإنمائي، يكون برئاسته وعضوية شخصيات عمانية وخبيرين: أحدهما عربي، والآخر أجنبي، وصدر المرسوم السلطاني رقم (15/1972) الخاص بتشكيل المجلس بتاريخ 27 سبتمبر 1972.
وتمثلت أهم مهام المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والإنمائي في ابتكار ورسم تحديد سياسة الدولة للتخطيط الاقتصادي والإنمائي، وتنويع وتوزيع موارد الدخل الوطني في القطاعات المختلفة لتقليل الاعتماد الكلي على النفط، ووضع خطة اقتصادية إنمائية شاملة وموحدة تستند على الدراسة العلمية.
وكان الدكتور رياض الريّس هو عضو المجلس الذي تكون من أربعة شخصيات برئاسة جلالة السلطان قابوس.
وقد أشارت جريدة (الوطن) في العدد الثامن والستين بتاريخ 31 أغسطس 1972 إلى إنشاء هذا المجلس وتعيين الخبير الدكتور رياض الريّس عندما نشرت أنه “علمت (الوطن) أن النية تتجه لإنشاء مجلس أعلى للتخطيط الاقتصادي برئاسة جلالة السلطان المعظم وسيضم المجلس خبيرا اقتصاديا لبنانيا خدم ستة عشر عاما في هيئة الأمم المتحدة بمجال اختصاصه، وستشهد المرحلة المقبلة إعطاء الأولوية لمشاريع التربية والتعليم وستنشأ مدارس ثانوية ومهنية جديدة.
وقد ذكرت الجريدة أن الخبير الريّس كان قد عمل لمدة (16) عامًا في هيئة الأمم المتحدة بمجال التخطيط الاقتصادي.
وكان ميلاد هذا المجلس –بحسب الصحفي عماد البليك في مقال منشور بجريدة عمان بتاريخ 23 أغسطس 2020 – “حلقة مهمة وضرورة مستقبلية مبكرة، حيث إنه تولى وضع سياسة الدولة في مجال التخطيط الاقتصادي والإنمائي والمرتبطة بتحقيق أهداف تنويع وتوزيع موارد الدخل الوطني في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، ووضع خطة اقتصادية إنمائية شاملة للبلاد، حيث تولى ابتكار ورسم وتحديد سياسة الدولة للتخطيط الاقتصادي والإنمائي”.
رئيس مركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي
نصّت المادة الثانية من المرسوم السابق على تأسيس مركز للتخطيط الاقتصادي والإنمائي يتولى تنفيذ سياسة وخطط المجلس الأعلى للتخطيط الإقتصادي والإنمائي، ويكون برئاسة المستشار الدكتور رياض الريّس، على أن تتبع له مصلحة التخطيط، ومصلحة التعاون والفني والتعمين، ومديرية التنسيق القطاعي.
وفي 30 سبتمبر 1972 أصدر السلطان قابوس بن سعيد المرسوم السلطاني رقم 16/1972 الذي نص على دمج أعمال ومهام ومصالح وزارة الاقتصاد بمركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي ابتداء من تاريخ صدور المرسوم.
وقد أشارت جريدة (الوطن) إلى هذا المرسوم في عددها الرابع والسبعين الصادر بتاريخ 19 أكتوبر 1972: “أصدر جلالة السلطان المعظم مرسوما ساميا يقضي بدمج أعمال ومهام وزارة الاقتصاد بمركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي”.
وكانت وزارة الاقتصاد بحسب الخطاب الذي ألقاه جلالة السلطان قابوس بن سعيد في الثامن عشر من نوفمبر عام 1972 والذي استعرض خلاله أهم المنجزات التي تحققت خلال عامين تضم كلا من إدارات التجارة، الزراعة، الجمارك، الشؤون الفنية، شؤون النفط والمعادن، المطبعة الحكومية، المدرسة الصناعية، إحياء الحرف الوطنية، ومكتب مقاطعة إسرائيل.
وفي نفس تاريخ صدور المرسوم السابق أصدر السلطان قابوس بن سعيد المرسوم السلطاني رقم 17/1972 الذي نص في مادته الأولى على إلغاء وحل مجلس التخطيط المؤقت، وفي مادته الثانية على تولي المجلس الإقتصادي والإنمائي أعباء وأعمال مجلس التخطيط المؤقت.
أنشطة إدارية اقتصادية متنوعة
قام الخبير الاقتصادي الدكتور رياض الريّس خلال عمله كرئيس لمركز التخطيط الإنمائي والاقتصادي بالعديد من الأنشطة والمهام، فقد ذكرت جريدة (الوطن) في عددها الثالث والثمانين بتاريخ 18 يناير 1973 أن رئيس مركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي الدكتور رياض الريس سافر في مهمة عمل إلى الولايات المتحدة وأوروبا إنفاذًا للمخطط الاقتصادي الضخم الذي رسمه جلالة السلطان المعظم لإيجاد مشاريع حيوية تنهض بالبلاد.
ونشرت جريدة (عمان) في أحد أعدادها لسنة 1973 خبر توقيع الدكتور رياض الريّس لقد مشروع طريق مسقط- مطرح بين مركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي وشركة المقاولات والتجارة (مذركات)، على أن يتم تنفيذه خلال (230) يومًا بتكلفة ربع مليون ريال.
كما أشارت جريدة (عمان) في أحد أعدادها الصادرة في شهر يناير عام 1973 إلى توقيع اتفاقية لإنشاء طريق مطرح الجانبي بين مركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي وشركة المقاولات والتجارة (مذركات)، بتكلفة نصف مليون ريال عماني، على أن يتم الانتهاء منه في السابع والعشرين من أغسطس 1973.
وفي خبر آخر لجريدة (عمان) يعود إلى 17 فبراير 1973 نقرأ عن توقيع جلالة السلطان قابوس بن سعيد اتفاقية للتنمية الزراعية في سلطنة عمان مع الشركة الأمريكية المتحدة للتغذية والكيمياويات، من أجل برنامج تنمية زراعي هام للسلطنة، يتضمن مشروع تنمية للتمور والصناعة الحيوانية والليمون، كما سيعمل خبراء الشركة على تدريب العمانيين وتزويدهم بالخبرات التكنولوجية المطلوبة، وكان الدكتور رياض الريّس من ضمن حضور مراسيم توقيع الاتفاقية.
كما أجرت جريدة (عمان) حوارًا قام به الصحفي غسّان عويس مع الدكتور رياض الريّس تناول فيه العديد من النقاط والمحاور من بينها توجيهات جلالة السلطان في مجال التعمين، والمرحلة الخضراء، وتقوية القطاع الخاص وغيرها، وكذلك وجود خطة تربوية بالتعاون مع اليونسكو والبنك الدولي لمدة ثمان سنوات، وأسباب إنشاء مركز التخطيط الاقتصادي والإنمائي، وأعماله في المرحلة الراهنة.
وبعد أقل من عام على إنشاء المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والإنمائي أدمجت مهام المجلس الأعلى في هيئة التنمية العامة، التي ترأسها معالي كريم بن أحمد الحرمي، وذلك بتاريخ 25 أبريل 1973.
المراجع
1- الأرشيف الرقمي للخليج العربي. ملف بعنوان مشاريع التنمية في سلطنة عمان، FCO 8/1854 /33، FCO 8/1854 /34
2- البليك، عماد. 1970 إلى 2020.. ملامح من تطور النظام الإداري للدولة، مقال منشور في جريدة عمان بتاريخ 23 أغسطس 2020، https://www.omandaily.om/.
3- الغيلاني، خالد. مشروعية السلطة وتطور المؤسسات في النظام السياسي العماني، منشورات دار ورد، عمّان، الأردن،2021.
4- موقع لورتال الالكتروني. https://www.lawrtal.com/
5- أعداد من جريدة عمان خلال الفترة من يناير إلى مارس 1973.
6- أعداد من جريدة الوطن خلال الفترة من سبتمبر 1972 حتى يناير 1973.
المراجع