فضاءات

د.سعيد السيابي يكتب: الدراما كيف توثّق للمقاومة؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- د. سعيد محمد السيابي، كاتب وأكاديمي في جامعة السلطان قابوس

إن الدراما منذ تشكّلتْ عبر العصور كأحد الأنواع الفنية حملت رسالة الترفيه والتثقيف، وقامت بأدوار كثيرة كقوة ناعمة تخاطب الوجدان الإنساني والروح والنفس السوية التي هي في الأساس في أشد الحاجة لمن يأخذ بها نحو التنفيس والتطهير والمعالجة الموضوعية، وكوسيلة مواجهة مباشرة أو مضمرة ضد القضايا الخلافية فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

إن تنبّه الدول المبكّر لقوة الدراما وحضورها الطاغي في الوصول لقلب كل بيت جعلها في مصاف وسائل الاتصال المهمة التي تسخر لها الإمكانات المعنوية والمادية ويدفع بها في مواجهة أحداث الحاضر والمستقبل وقضايا الماضي الخلافية التي يراد لها ألا تنسى هموم وصعوبات الواقع المعاش لكي تخفف من ثقل ما تمر به المجتمعات وبثّ روح الأمل والمستقبل والخيال العلمي لتشجيع ريادة الأعمال والابتكار والعمل بإخلاص نحو أهداف كبرى تحتاج إلى وقت وجهد وتكاتف لتحقيقها.
الدراما كمظلة تقع تحت أنواعها الدراما التلفزيونية، والدراما الإذاعية، والسينمائية، والدراما الإعلانية، والمسرح، جميعها حملت في جملة ما قدمته نماذج عن مقاومة المحتل وأرجعت تكوين موضوعات واستفادت من الأحداث التاريخية، ومن المقاومة في الحاضر، وبعضها تجاوز ليتنبأ بحدوث مقاومة في المستقبل، فالدراما تستنصر للخير والإنسانية، للأمل والسلام، ولأصحاب الأرض والحق.


تجارب المقاومة متعددة في هذا العالم ، وبكل تجربة فعل سريع وردة فعل تستمر أجيالا، والتاريخ الشاهد على الأفعال والجرائم والانتهاكات والصرخات والتدمير والحرق والقتل المجاني للبشر والشجر وحتى الحيوان. في عالمنا هناك أفعال مقاومة شاهدة على أن الحق مهما تأخر وطال الوصول إليه هو الذي سينتصر وأن السلوك والأفعال غير الإنسانية والشنيعة هي التي تلوث الأسماء وتطبع على صفحات تاريخها قذارة ومرارة ما ارتكبته فالشعوب لا تنسى مهما بعدت المسافات التاريخية للأحداث والمؤامرات والخيانات والصلف البشري في اتخاذ جرائم ضد الإنسانية؛ فقد قاومت الشعوب تنوع الممارسات والاحتلال للأرض وضحت بالغالي والنفيس من أجل استرداد ما أخذ بالقوة والغدر .

مقاومة المحتل فعل درامي توثيقي من خلال الدور الأساسي كشاهد على ما تسجله الدراما من أحداث وموضوعات والكاتب الدرامي ابن بيئته وليس أصدق من أن يقوم بتسجيل هذه المرارة الزمنية التي عاشها أو يعيشها شعبه، وهناك الرسائل الضمنية التي يستنهض بها الكاتب الدرامي ومنتجو الأعمال الدرامية للهمم والمواقف الإيجابية لمقاومة المحتل واسترداد الحقوق.

من خلال تتبع ما تم توثيقه في ( معجم المسرح العماني: نصوص وعروض) كانت المقاومة الفلسطينية من أكثر الموضوعات السياسية التي تم طرحها وتناولها على خشبات المسرح العماني وبدايتها منذ عام 1971م بتقديم مسرحية ( النار والزيتون) للكاتب الفريد فرج التي قدمها مسرح النادي الأهلي من إعداد وإخراج رضا عبداللطيف، وبعدها توالى تقديم القضية القومية العربية الأولى ومقاومة المحتل في مختلف التجارب المسرحية وخصوصا الشبابية منها.

إن الإيمان بالقضايا العادلة ومقاومة الاحتلال تقوم بها النفس السوية والكتابة المتزنة لترى الأمور بحقيقة الجرم الواقع ومحاولة الاستنصار بالدراما لهذه الأفعال المشينة ما هي إلا واحدة من وسائل المقاومة السلمية التي تعري هذه الجرائم وتستنهض الشعوب الحرة وتقدم الرسالة باللغة نفسها التي يفهم فيها العدو والشعوب التي يحكمها والتغيير وإن كان يحتاج إلى وقت فإنه قادم لا محالة ويحق الله الحق بكلماته، وتعود الحقوق لأهلها فلا نستصغر الأعمال ولا الكلمات ولا المواقف وتحديدا الدراما منها التي تصل لكل بيت كالدراما التلفزيونية، وكل مسارح العالم معنية برسالة المسرح والحرية التي هي الأصل في العيش المشترك والكرامة.

وأختم بقصة قصيرة من المجموعة القصصية (ومن الحب) بعنوان ( كرامة)، وفيها: “وصلتنا هدية من غزة بالبريد السريع. تجمَّعنا حولها نحن الإخوة، أمسك كل منا بالشريط المغلف بزواياه الأربع لنفتحه دفعة واحدة، فكانت أحلى الهدايا: لوحة فسيفساء لكلمة ” كرامة”.

Your Page Title