أثير- مكتب أثير في تونس
إعداد: محمد الهادي الجزيري
يُعدّ الشاعر عبد الرحيم محمود من الشعراء القلائل الذين وهبوا حياتهم كلها لبلادهم وقرنوا القول بالعمل، ومضى في درب القتال حتى استشهد في سبيل وطنه وقصيدته، يتسم شعره بقوة العاطفة والوضوح والسلاسة واللغة التحررية بعيدة عن الافتعال والتعقيد اللفظي والعناية بالشكليات البيانية التي نجدها عند غيره من الشعراء الذي تأثروا بالتيار الاتباعي، الذي يحافظ على النظام التقليدي الموروث بالقصيدة العربية، مع تنويع بالقوافي وله قصائد عديدة تعبر عن تجارب وجدانية ذاتية وموضوعات اجتماعية سياسية وإنسانية…، أخلص طيلة حياته القصيرة لفلسطين وطنا وقضية وقصيدة مفتوحة على كلّ أشكال الفنّ القولي ..، وإنّنا في هذا الظرف الحرج الذي تتخبّط فيه وردتنا الأولى والأخيرة ..، نترحّم عليه ونعرض بعض ما كان منه ومن الحياة …
دعا الوطن الذبيح إلى الجهاد فَخَفَّ لِفَرْطِ فَرْحَتِه فؤادي
وَسابَقْتُ النَّسِيمَ ولا افتخارٌ أَلَيْسَ عليّ أن أَفْدِي بِلادِي
حَمَلْتُ عَلَى يَدِيْ رُوحي وقلبي وما حَمَّلتُها إلا عتادي
فسِيْرُوا للنِّضَالِ الحقِّ نارًا تَصُبُّ على العِدَا في كل وادِ
فليس أَحَطُّ من شَعْبٍ قَعِيْد عن الجَلَّى وموطنه ينادي
ولد الشاعر عبد الرحيم محمود في بلدة عنبتا إلى الشرق من طولكرم عام 1913، وأنهى دراسته الابتدائية في بلدته عام 1925، وأكمل دراسته المتوسطة فيها ، وأنهى الثانوية من مدرسة النجاح في مدينة نابلس وكان من المتميزين في اللغة العربية…
فهو شاعر ومثقف وشهيد، عرفت أسرته بالثقافة والعلم والفقه، فسميت (الفقهاء)، وكان والد عبد الرحيم محمود تخرج في الجامع الأزهر، وأصبح من شيوخ المذهب الحنبلي
وفي العام 1939 التحق بالكلية العسكرية في العراق، وتخرج منها برتبة “ملازم ثان”، وهناك تعرف على عبد القادر الحسيني بطل معركة “القسطل”، واشترك في حركة رشيد عالي الكيلاني في أيار 1941، وشارك معه في معركة “سن الذبان”، ثم عاد إلى فلسطين والتحق بالهيئة التدريسية في كلية النجاح حتى العام 1947، وعندما شكلت الجامعة العربية جيش الإنقاذ على إثر قرار التقسيم عام 1947 انضم محمود لهذا الجيش برتبة ضابط، وشارك في عدة معارك ضد القوات البريطانية
وشارك في معركة الشجرة، وأصيب خلالها في عنقه ووجهه بشظية قذيفة، واستشهد على أثرها وذلك يوم 13/7/1948، ودفن في مدينة الناصرة، حيث كانت رغبته ووصيته
لقب بـ “الشاعر الشهيد” بعد قصيدته الشهيرة :
سأحمل روحي على راحتي … وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق… وإمّا ممات يغيظ العدى
رحل الشاعر عبد الرحيم محمود ولم يكن لديه ديوان مكتوب ومطبوع، بل كانت قصائد شعرية مبعثرة، كانت تنشر عبر الصحف والمجلات الفلســطينية والعراقيــة واللبنانيــة، إضافة لوجود النشــرات والدوريات
كان حادّا وصريحا وجاهرا بالحقّ ..مدافعا عنه ومستميتا لأجله :
واغْصِبْ حُقوقَك قَطُّ لا تَسْتَجْدِها ………. إن الألى سلبوا الحقوق لئامُ
هذي طَرِيْقُكَ فِي الحَياة فلا تَحِـدْ …….. قَدْ سـَارَها مِنْ قَبْلِكَ القَسَّامُ
ومن مواقفه الشهيرة وصدحه بالحقّ ، أنّه وفي أثناء زيارة الملك سعود (ولي العهد وقتها) إلى فلسطين والقدس عام 1935 ، زار قرية عنبتا التابعة لطولكرم بلدة الشاعر عبدالرحيم محمود فألقى هذه القصيدة والتي حذر ونبه فيها لسقوط القدس بأيدي اليهود ( قبل قيام الكيان بثلاث عشرة سنة وقبل سقوط القدس بثلاثة عقود !!) مستفتحا القصيدة بمناداة المليك بالنجم (سعد السعود) قائلا :
يا ذا الأَميرِ أَمامَ عَينِكَ شاعِرٌ
ضُمَّت عَلى الشَكوى المَريرَةِ أَضلُعُهْ
المَسجِدُ الأَقصى أجئتَ تَزورُهُ
أَم جِئتَ مِن قَبلِ الضَياعِ تُوَدِّعُهْ
رحمه الله وجازاه خيرا على ما قدّمه من حياته ومن نفسه ..نصرة لفلسطين التي مازالت تصارع الغيلان إلى حدّ الساعة ..، ونرجو أن تنتصر فقد أثبت شعبها العظيم أنّه جدير بالفخر والنصر ..اللهم آمييين