أثير – تاريخ عمان
خلف الإمام سلطان بن سيف اليعربي – الذي قاتل البرتغاليين وطردهم من مسقط وعمان – ولدين هما بلعرب وهو الأكبر وسيف الأصغر وأختا لهما ، وكان بلعرب متوجا بالشيم والفضائل الطيبة والأعمال الحسنة، حيث رأى بأن عمان بعدما طهرها والده من البرتغاليين تحتاج إلى الاهتمام بالعلم بشكل أكبر بعد انشغال أهل عمان وشبابها بتلك الحروب.
يقول شكيب أرسلان المعروف بأمير البيان وهو من أكبر المؤرخين لأحوال الأمم عن الإمام سلطان بن سيف:”قد خلفه ولده بلعرب وكان محباً للعلم والعلماء حيث بنى مدرستين في يبرين – جبرين – وجعل إقامته فيها ، وثار على بلعرب أخوه سيف بن سلطان اليعربي ، وانقسم الفقهاء بعضهم مع بلعرب يؤيده في أعماله، وبعضهم مع سيف يؤيده على أخيه فانقسمت الرعية إلى قسمين متساويين ثم قوي حزب سيف على حزب بلعرب”.
وعندما رأى الإمام بلعرب أن الأحوال التي تحيط به غير مراعية لحقه، خرج من نزوى وتوجّه ناحية الشمال متفقداً لأحوال رعيته وما آلت إليه الحال ، وعندما رجع إلى نزوى منعه أتباع أخيه سيف من دخولها مع أنه كان إماماً رحيماً بالمؤمنين سخيا بما لديه وبالأخص على العلم وطلبة العلم، فلما يئس من الدخول إلى نزوى توجه إلى قصره حصن جبرين الذي بناه من حر ماله قبل وفاة والده بعامين ، وبعد استقراره بجبرين اجتمع معارضوه وأتموا البيعة لأخيه سيف وهو حي موجود لا يحتج عليه بشيء ، ولكن أخاه سيف لم يكتف بذلك بل خرج محارباً مخاصماً لكل من يدين الولاء لأخيه بلعرب فوقعت الفتنة وازداد البلاء على عمان وأهلها وافترق الناس فمنهم من يوالي سيفا ومنهم من يوالي الإمام بلعرب.
بعد ذلك قرر سيف بن سلطان مهاجمة أخيه بلعرب الذي كان يقطن في حصن جبرين، فحاصره وأخذ يضرب الحصن بالمدافع، وكان عند بلعرب رجال مشهورون بالشجاعة والقوة، فكلما دنا جيش سيف بن سلطان من الحصن خرجوا له وردوه ، فقتل من جند سيف الكثير في تلك الحرب حتى اتفق أكابر الطرفين على التوقف عن الحرب وقتلهم لبعضهم البعض بسبب تنازع أخوين على الملك ، فقال حكماء القوم : الرأي أن نغمد السيف عن بعضنا بعضا فإذا اقتتل سيف وأخوه بلعرب وقتل أحدهما صاحبه صرنا رعية وتبعا للمنتصر ، وإن أبيا عن المبارزة مكثت كل فرقة في المعسكر فإذا طالت المدة رجعت كل فرقة إلى موطنها”
ولمّا علم بلعرب بهذه الأخبار وبأن الجميع ينتظر مبارزته لأخيه والقاتل هو المنتصر ، توضأ -رحمه الله- وصلى ركعتين لله وسأل ربه أن يميته ، فلما فرغ من صلاته خرّ على البساط الذي صلى فيه ميتا، فخرج اتباعه إلى أخيه خارج الحصن يخبرونه بأن الإمام بلعرب قد مات بعد صلاته التي دعا فيها ربه وأمام الملأ بأن يتوفاه الله قبل قتاله لأخيه الذي جاء طالباً للحكم بقوة السيف درءاً للفتنة، فدخل سيف وجنوده حصن جبرين وغسل أخاه وكفنه وصلى عليه ودفنه ، وما يزال قبره قائماً حتى يومنا هذا في حصن جبرين.
يقول ابن رزيق عن هذه الواقعة :” ثم إن سيفا جمع جيشا عظيما وبلعرب يومئذ بحصن جبرين ، فحاصره حصارا شديدا حتى مات بلعرب في الحصن ،وقيل إنه لما اشتد على بلعرب الحصار وتعذر له الانتصار ، توضأ وصلى ركعتين وسأل الله ربه أن يميته وهو راض عنه فاستجاب له دعاءه فمات ساعته”
المصدر : عمان عبر التاريخ ( الجزء الثالث والرابع ) لـ سالم بن حمود بن شامس السيابي – الطبعة الخامسة ٢٠١٤