حفل الأشباح
العالم من شرفة آمال مختار
محمد الهادي الجزيري
مشاكسة منذ اندلاعها في حقل السرد التونسي ، منتصف الثمانيات من القرن الماضي ، متّهمة بالخروج على القطيع ، محاصرة من جحافل الظلام والغبار، ومتوّجة كذلك بعدّة جوائز طوال مسيرتها العاصفة بكلّ ما في طريقها من حواجز وممنوعات ، آخر الجوائز التي حصدها قلمها الرهيف الحادّ ” جائزة كتام آر للثقافة والإبداع ” عن مجموعتها القصصية ” حفل الأشباح ” رفقة باقة من القصاصين التونسيين المتميّزين ، إنّها الروائية والقاصة والصحفيّة آمال مختار التي دعتني إلى ” حفل الأشباح ” وها إنّي أحاول بهذا النصّ نقل بعض مناخات هذا الحفل السرديّ الجميل …
تنفتح المجموعة على قصّة ” اختطاف ” ومن الجليّ أنّ القاصّة تعمّدت مواجهة القارئ بنصّ يدين بطش الموت وغدره ، فالكتابة أعتى أسلحة الإنسان المرفوعة في وجه هادم اللذات ومفرّق الجماعات منذ البدء، محور القصّة غصّة أمّ كرّست حياتها لخلق شاب وسيم وطيّب وناجح في دراسته وممسك تماما بزمام مستقبله المهنيّ المتميّز ، بغتة يقع حادث عبثيّ ويقضي على حلمها المتفتّح :
” استدرتُ لأحضنه ، لأدسّه في أحشائي مرّة أخرى وأخفيه عن الموت، فإذا بالمرأة المرعبة ذات النظرات الزائغة تسخر منّي وتضحك وتتهمني بالجنون …”
يخيّل لقارئ المجموعة أنّ آمال مختار تريد قول العالم دفعة واحدة ، إنّها تضجّ بتفاصيل الحياة وتقتفي أثر خيالها الجامح من فكرة إلى دهشة إلى خيبة أمل، تجرّنا خلفها بذكاء الساردة المحنّكة فنتورّط في أكثر من طقس وعلاقة ونقاسم شخصيات قصصها هواجسهم ، آمالهم وأحزانهم، رغباتهم الدفينة وحتّى نفاقهم للآخرين وانفلاتهم من قبضة كلّ سلطة ، نتابع الصدفة وغريب أفعالها في قصّة
” حرب الأنوثة ” ونتحالف مع الحبيبين القديمين ضدّ العشيقة الأجنبية ، نكاد نصفّق لنجاح الخطّة لكنّ الكاتبة تقدّر لنا نهاية قاسية ، تقول لنا ضمنيّا : في الحياة يجوز وقوع كلّ شيء ، يجوز انتصار المرأة لأنوثتها حبّا في الانتصار وليس رغبة في الفوز برجل ….
” ضحكتُ في غنج كي لا أكشف نيّتي في قضاء ما تبقّى من الليل في الحمّام وقلت : طبعا طبعا لن أتأخّر …
أغلقت باب غرفة الاستحمام من الداخل وغطستُ في الحوض. “