مسقط-أثير
إعداد الباحث: محمود محمد صادق- جمهورية مصر العربية
يقع حصن جبرين المنيع في بلدة جبرين من محافظة “الداخلية” على مسافة تتراوح حوالي 170 كليو مترا جنوب شرق العاصمة مسقط، وقد تولى إنشاء هذا الحصن المتين الإمام “بلعرب بن سلطان بن سيف اليعربي”، ثالث أئمة دولة اليعاربة حيث يؤكد الإمام السالمي أن بلعرب تولى الإمامة في اليوم الذي مات فيه أبوه وكان ذلك في يوم الجمعة الموافق ستة عشر من شهر ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وألف هجريا، حيث كان بلعرب يقوم بالحق ويسير في الناس بالعدل، وكان جوادا كريما عمّر جبرين وبنى حصنا وانتقل إليها من نزوى، ويصفه السالمي بأنه من أحد أعاجيب الزمان.

وقد اختلفت الروايات حول سبب بناء هذا الحصن المتين، فيذهب البعض إلى أن بلعرب بنى هذا الحصن ليكون بمثابة قواعد متقدمة في منتصف البلاد لتكون بذلك مقرا لسكن الحاكم وعائلته بالإضافة إلى أنه معقل يصد هجمات المغيرين أو الأعداء، ويكون أيضا بمثابة قاعدة يمكن من خلالها التحرك لقمع الأعداء وكسر شوكة الثائرين، ويُعد ذلك الرأي من أرجح الآراء وأكثرها مطابقة لواقع الحصن.
في حين يرى باحث آخر أن الحصن لم يُبنَ لأغراض الدفاع حيث إن المبني لم يضع على الإطلاق موضع الاختبار الحقيقي، وهذا الرأي يتعارض تماما مع الأحداث التاريخية المهمة التي مر بها الحصن حيث صمد هذا المبنى أمام الحصار الذي ضربه سيف بن سلطان شقيق الإمام بلعرب، حينما شن هجوما بالمدافع حول الحصن لا سيما والمحاصرون كانوا يقومون بشن غارات هجومية ويعودون بعدها إلى داخل الحصن، ولم يستسلم الحصن لجنود سيف بن سلطان إلا بعد وفاة بلعرب بداخله.

بينما يرى بعض الباحثين أن التصميم المعماري العام للحصن يوحي بأن الغرض من بنائه هو استخدامه من قبل بلعرب ليكون مقرا ريفيا له خلال فترة عهده الذي نعمت فيه البلاد بوفرة من السلام والرخاء والاستقرار، في حين أن هذا المفهوم يتناقض مع مفهوم الحصون والقلاع الدفاعية البحتة في السابق، والتي كانت ضرورية لأغراض أمنية.
ومهما يكن السبب في اختلاف وتعدد ظروف البناء يبقى هذا الحصن المنيع الزاخر يبعث في النفوس البهجة والاطمئنان لعصر توحدت فيه البلاد واتسمت ملامحه بمزيد من الاستقرار وانتعاش الحياة الاقتصادية إلى جانب أنه شهد ثورة معمارية في مجال العمارة الدفاعية والتفنن في تقنيات التخطيط العسكري الممزوجة بالطابع المدني ليكون بذلك حصن جبرين تحفة معمارية رائعة سطرت الهوية المعمارية للمباني الدفاعية بعمان في عصر اليعاربة بحروف من ذهب.
التخطيط والوصف المعماري
يتألف التخطيط المعماري العام لحصن جبرين المنيع من مساحة معمارية مستطيلة الشكل، حيث يتراوح طول المبنى 34 مترا فيما يتراوح عرضه 22 مترا، كما يتوسط هذه المساحة فناء أوسط مكشوف يتراوح مساحته 9.5متر طولا فيما يصل عرضه إلى 6.5 متر، ويلتف حول هذا الفناء جميع مرافق ومكونات المبنى في إطار نسقي مستطيل الهيئة المعمارية، وذلك عبر ثلاثة طوابق خصص الأول منها للمرافق الحياتية للمبنى وهي عبارة عن غرف لإعداد الطعام وأخرى استعملت كمخازن للمؤن، فيما خصص الطابق الثاني للحاكم وعائلته وقد احتوى على مجموعة من الغرف والقاعات لطلبة العلم والدراسين، كما خصص بعض منها لسكن الحاكم وعائلته، فيما تم تحصين هذه الكتلة البنائية ببرجين دفاعيين في الزاويتين الجنوبية الشرقية والشمالية الغربية، كما استخدمت فيه البوابات السميكة والشرافات الحربية والمزاغل لأغراض الحماية والدفاع.

الأبراج الدفاعية
يحيط بحصن جبرين المنيع في الزاويتين الشمالية الغربية والجنوبية الشرقية برجان دفاعيان دائريا الشكل، يرتفع كل منهما بارتفاع القسم الملحق به جدران كل برج من أبراج المبنى، حيث يصل ارتفاع البرج الجنوبي الشرقي إلى ما يقارب 22 مترا موازيا لارتفاع مبنى القسم الجنوبي من الحصن، فيما يصل ارتفاع البرج الشمالي الغربي إلى قرابة 16 مترا، وذلك مقاربة مع ارتفاع الكتلة البنائية للقسم الشمالي من مبنى الحصن، فيما يصل قطر كل من البرجين الشمالي الغربي والجنوبي الشرقي إلى قرابة 12 مترا، ويشكلان بأسلوبهما الدفاعي وسمك وقطر جدارنهما آلية دفاعية قوية لحماية الحصن من الأخطار المحدقة به من قبل الأعداء.

ونشير في هذا السياق إلى الأسلوب الدفاعي المتبع في حصن جبرين، والذي اتضح في إضافة برجين دفاعيين في زاويتين متقابلتين متعارضتين قطريا، بحث يعمل كل برج دفاعي على حماية زاويتين من أبراج المبنى، وهو أسلوب معماري دفاعي جديد ظهر بدوره لأول مرة في هذا الحصن المنيع.
الزخارف الفنية
يتميز حصن جبرين المنيع عن سائر حصون وقلاع عمان بالاهتمام بالعناصر الجمالية والزخرفية الفنية والتي تملأ جميع أرجاء ومكونات المبنى، ويظهر ذلك جليًا في جدرانه التي كانت تغشيها زخارف متنوعة، حيث يذكر السالمي نقلا عن الشيخ علي بن ناصر الريامي،بأن حصن جبرين “به من النقوشات والتصاوير ما لا يُحصى ولا يوصف” ويضيف السالمي ” لعله أراد بالتصاوير تصاوير الأشجار والجبال والرمال والبلدان والبحور وهو ما لا روح فيه فإن تصوير ذي الروح حرام، لا يأمر به الإمام ولا يرضاه” وما هو بالفعل، فلا يوجد بالحصن بالفعل أية أدلة آثارية على أن الأعمال الزخرفية بهذا الحصن قد احتوت على تصاوير جدارية، بل نجد أن الزخارف جميعها لا تخرج عن نطاق الزخارف الكتابية والهندسية والنباتية، وهي عناصر زخرفية رئيسية في الفنون والعمارة الإسلامية، وتتفق مع ما ورد في كثير من المصادر الفقهية عن تحريم أو كراهية التصوير في الإسلام، ولذلك فإن جميع الزخارف التي جاءت بهذا الحصن لم تخرج عن حيز الزخارف المتعارف عليها في الفنون والعمارة الإسلامية والمتنوعة بين الزخارف الكتابية والهندسية والنباتية.

مواد البناء
بُني حصن جبرين بواسطة قطع غير مشذبة من الحجر الرملي المحلي، وهي حجارة ذات لون رمادي داكن، حيث ترتفع الجدران فيه من الأساسات حتى نصف المتر تقريبا دون استخدام البلاط، وذلك لحماية الجدران من تأثيرات الرطوبة والمياه الجوفية، كما كُسيت الجدران من الخارج والداخل بواسطة “الصاروج العماني” وهي مادة اسمنتية محلية الصنع تستخدم بعناية لطلاء مثل هذه الأبنية.

المصادر:
– وزارة الإعلام والثقافة (1995). عُمان في التاريخ، سلطنة عُمان: دار ايميل للنشر، ص15.
– ماهر، سعاد محمد (1985). العمارة الإسلامية خلال العصور، جدة: دار البيان العربي، ص187.
– السالمي، نور الدين عبد الله بن حميد بن سلوم بن عبيد بن خلفان بن خميس (1347). تحفة الأعيان بسيرة أهل عُمان، تحقيق، الجزائري، إبراهيم طفيش، جزأين، الطبعة الثانية، ج1، القاهرة: مطبعة الشباب
– بدر، حمزة عبد العزيز، (2001) الرستاق ومعالمها الأثرية في العصر الإسلامي، بحث مشارك به ضمن الندوة التي أقامها المنتدى الأدبي (الرستاق عبر التاريخ) في الفترة 23ــ 24 أكتوبر 2001، الطبعة الثالثة، 2013، ص129
– بدر، حمزة عبد العزيز (1998). حصن جبرين طراز جديد في العمارة الدفاعية، بحث منشور بمجلة كلية الآثار، جامعة القاهرة، العدد التاسع: مطبعة جامعة القاهرة
– صادق، محمود محمد (2019). الفن المعماري للمباني الدفاعية في عصر اليعاربة، كتاب جديد تحت النشر.