أثير – تاريخ عمان
أثير – تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
لعمان تاريخٌ فكريٌ حافل في مختلف المجالات، يؤكد ذلك العديد من الشواهد المادية المتنوعة، والتراث المعنوي المتمثل في الفلكلور، والفنون، والأدب، والمؤلفات العديدة، وغيرها، وتكاد لا تخلو بقعة في عُمان من وجود شاهدٍ ماديّ ما كالقلاع، والحصون، والأبراج، والحارات، والبيوت الأثرية، كما لا تخلو مساجد العمانيين وسبلاتهم ومجالسهم ومكتباتهم من أمهات الكتب التي ألّفت في مختلف المجالات في إشارةٍ واضحةٍ ومهمة إلى عراقة هذه الأمة ودورها الحضاري الكبير في رفد الحضارة الإسلامية وتدعيم أركانها، والإسهام في نشر أفكارها ومعتقداتها من خلال أساطيلها الحضارية التي جابت الشرق والغرب.
وتُعد التدوينات والتقييدات والكتابات التي مارسها العمانيون والتي وجدت في عديد الأماكن ومن بينها الصخور الكبيرة، والمساجد، والقلاع، والبيوت بمثابة البصمة الثقافية التي تدل على مدى اهتمام العماني وشغفه بالكتابة وتدوين ما يحدث حوله كي ينقل للأجيال القادمة بعضًا من تاريخ أجدادهم، وجانبًا من حياتهم الاجتماعية، وقد وُجد في عمان العديد من المواقع التي سجلت فيها جانبًا من تلك الكتابات، ومن بينها الكثير من المساجد العُمانية التي وثقت جدرانها لأحداث تاريخية متنوعة، وكانت شاهدة على ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية عاشتها البيئات التي تقع فيها تلك المساجد، بل وأرّخ بعضها لأحداث عامة في دلالةٍ على تلاحم الأمة وتكاتفها.
وتعد ولاية عبري من الولايات العمانية العريقة التي كان لها باعٌ طويل في التاريخ العماني، وأسهم أهلها في صناعته، حصن عبري، سوق عبري، آثار قرية بــات، قلعة السليف، حصن العينين، حصن المعمور، حصن بيت العود، حصن العراقي، حصن الشحشاح، مدافن وادي العين الأثرية، وغيرها.
وتعد ولاية عبري من الولايات العمانية العريقة التي كان لها باعٌ طويل في التاريخ العماني، وأسهم أهلها في صناعته، حصن عبري، سوق عبري،
آثار قرية بــات، قلعة السليف، حصن العينين، حصن المعمور، حصن بيت العود، حصن العراقي،
حصن الشحشاح، مدافن وادي العين الأثرية، وغيرها.
كما يوجد بالولاية العديد من المساجد العتيقة التي امتازت جدرانها ومحاريبها وسواريها بالعديد من الكتابات التاريخية المهمة التي تؤرخ لكثير من الأحداث، وتعد شاهدةً على أوضاعٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ وفكريةٍ متنوعة، ومن بين هذه المساجد مسجد شجاع، ومسجد علي بن سعيد، ومسجد جامع السليف، وقد قام الباحث محمد بن عبد الله السيفي بتوثيق ورصد جوانب مهمة من الكتابات الموجودة في هذه المساجد وغيرها من مساجد السلطنة في كتابه الثمين ” الحلل السندسية من الكتابات المسجدية”، والذي نستقي منه في هذا التقرير جزءا مهما من مادة التقرير العلمية، مع الإشادة بجهده الكبير في حفظ هذا التراث وتقديمه للقارئ والباحث تكملةً لجهوده الفكرية الواضحة في مجالات بحثية تاريخية عديدة، مع عدم إغفال جهود العديد من الباحثين في ذات المجال ومن بينهم المهندس حارث الخروصي الذي وثّق لكثير من الكتابات الصخرية وغيرها، والباحثون محمد العيسري، وسلطان الشيباني، وعلي الشحري، ومحمد بن سالم المدحاني، وفهد بن مبارك الحجري، وفهد الزيدي، وسالم الحوقاني، وأحمد العامري، وهلال القاسمي، وباحثون آخرون لا يسع المجال لذكرهم هنا، وقد نشير إلى جهودهم في تقارير لاحقة.
مسجد شجاع
مسجد شجاع
يقع مسجد شجاع في حارة البستان بولاية عبري قريبا من قلعتها التاريخيّة وسوقها، وهو مسجد صغير الحجم، بسيط في تصميمه، يحتوي على محراب متواضع وسارية واحدة بها كثير من الكتابات، وجدران مليئة بكثير من المعلومات والشواهد التاريخية، أسست فيه الشيخة الغالية بنت ناصر العطّابية مدرسة لتعليم القرآن الكريم وقام بالتدريس فيها المعلّم سلام الأبروي، وقد توفيت الشيخة الغالية في أول يوم من شوال سنة 1388هـ/1968م عن عمر يناهز المئة عام، وقد وجد هذا التاريخ على جدران مسجد المسجد.
وعلى الرغم من عدم معرفة التاريخ الدقيق لبناء المسجد إلا أنه يعتقد أن بناءه قد حدث قبل حوالي 300 سنة تقريبا أو تزيد، كون أن بعض الكتابات الموجودة على جدرانه تشير إلى أحداث مقاربة لتلك الفترة الزمنية.
آيات وابتهالات وتاريخ وفيات
آيات وابتهالات وتاريخ وفيات
ومن يتتبع الكتابات الموجودة على سارية وجدران المسجد يجد تنوعا كبيرا في مادتها، فهناك العديد من الآيات والابتهالات، كما تم توثيق تاريخ وفاة الكثير من الأشخاص من العلماء والشخصيات البارزة، ومن سكان الولاية أو المجاورين للمسجد، ومن أبرز الشخصيات التي تم توثيق تاريخ وفاتها: الشيخ نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني، وقاضي المسلمين عبد الله بن مسعود المعمري، والشيخ مسعود بن محمد بن ساعد المنذري السليفي.
أحداث تاريخية مهمة
أحداث تاريخية مهمة
وتؤرخ الكتابات الموجودة بالمسجد لبعض الأحداث التاريخية ومن بينها: تاريخ وقعة خور فكان ومقتل السيد قيس بن أحمد، وانتقال ” سينجار العجم” من عمان، واسترجاع العمانيين لمسقط، وتاريخ وقعة حدثت بين بلعرب بن حمير وأحمد بن سعيد في بلدة فرق ومقتل بلعرب، وتاريخ تنصيب الإمام سالم بن راشد الخروصي، وتاريخ تنصيب الإمام محمد بن عبد الله الخليلي، وتاريخ وفاة السلطان فيصل بن تركي، وتاريخ وفاة الشيخ نور الدين السالمي، وتاريخ وقعة نخل، كما تناولت الكتابات تدوين بعض الأحداث الواقعة في الولاية مثل حدوث جارف في البيدرة، ومجيء سيل عظيم على جميع أنحاء عمان، ومعرفة أموال بعض الأشخاص من سكان الولاية أو المرتبطين بالمسجد، بالإضافة إلى أنها تكشف عن جانب اجتماعي مهم وهو وجود بعض الأسر في فترات زمنية سابقة في الولاية ثم نزوحهم عنها في فترات لاحقة لظروف مختلفة، وهذا يبيّن مدى الأهمية الكبيرة التي تمثلها مثل هذه الكتابات ودورها في إضافة أو تعديل وتصحيح بعض المعلومات التاريخية المتعلقة بعمان في ظل قلّة الكتب والمصادر التاريخية العمانية المتخصصة.
أبيات شعرية
أبيات شعرية
كما تشتمل الكتابات كذلك على كثير من الأبيات الشعرية التي تنوعت فنونها وإن كان ركّز أغلبها على الحكمة والزهد والتفكر في أحوال الدنيا، وجلّها أبياتٌ شعريةٌ فصيحة، وهذا دليل على مدى الاهتمام الكبير الذي كان يلقاه الأدب العربي بشكل عام، والشعر بشكل خاص لدى العمانيين، بحيث برعوا فيه، وظهر منهم العديد من الشعراء الكبار، وكانوا يتمثلونه في مجالسهم، ويكتبونه في تدويناتهم المختلفة!
وعلى الرغم من أن أغلب الكتابات الموجودة في المسجد قد وثّقت لفترة ما قبل النهضة المباركة، إلا أن هناك بعض الكتابات التي تعود إلى العصر الحالي ومن بينها التدوينة الخاصة بخبر السيل العظيم الذي عمّ عمان جميعها وكانت له آثار عديدة، والذي حدث في العشرين من ذو القعدة سنة 1417 الموافق 30/3/1997م.
مدونون
مدونون
ومن بين أبرز الأسماء التي برزت في مجال التدوين والكتابة في هذا المسجد نجد توالي ذكر أفراد من أسرة سالم بن خاطر بن سالم اليعقوبي وأبرزهم ابنه خاطر الذي قام بكتابة العديد من التدوينات والتقييدات، ونلمح كذلك اسم سالم بن مسلم الميرزي الذي قيّد تواريخ عديدة لوفاة عدد من أفراد أسرته وغيرهم من الأشخاص، وكذلك سعيد بن سليمان بن سعيد السيفي، والمر بن جمعه بن فيروز البلوشي.
وبعد أن أدركنا الأهمية الكبرى لكتابات هذا المسجد، وغيره من المساجد والشواهد الأثرية الأخرى فإن الأمل يحدونا بمزيد من الاهتمام لمثل هذه الشواهد، والاستفادة منها علميا وسياحيا، وتشجيع ودعم الباحثين الذين يقومون بجهود أغلبها فردية وخاصة نحو الاهتمام بالتراث الفكري الموجود بها، ولعل لنا عبرة في جامع نخل، ذلك الجامع العريق الذي كان يوما ما موسوعة للوثائق العمانيّة بما احتواه من شواهد، وكتاباتٍ كان يمكن لها أن تضيف الكثير لحركة التّأريخ العماني لولا أن امتدّت إليه اليد العبقريّة المبدعة في عصر العلم والتّكنولوجيا لتساوي به الأرض بحجّة إعادة ترميمه، وهي ذات اليد العبقريّة التي امتدّت إلى كثير من الحارات والمنازل والمساجد والمجالس والمدارس الأثريّة لتجعلها أثرًا بعد عين بداعي شهر البلديّات، أو لدواعٍ أخرى متعدّدة قاسمها الجهل المشترك بأهمّيّة هذا التّراث، ومدى ما يمكن أن يضيفه إلى البلد تراثيّا، وسياحيّا، واقتصاديّا، وفكريّا.
المراجع:
المراجع:
1- السيفي، محمد بن عبد الله. الحلل السندسية من الكتابات المسجدية، ط1، مكتبة خزائن الآثار، سلطنة عمان، بركاء، 2019.
1-
السيفي، محمد بن عبد الله. الحلل السندسية من الكتابات المسجدية، ط1، مكتبة خزائن الآثار، سلطنة عمان، بركاء، 2019.
2- النبهانية، بدرية بنت محمد. ورقة عمل بعنوان “نساء من التاريخ العماني” 2019م.
2-
النبهانية، بدرية بنت محمد. ورقة عمل بعنوان “نساء من التاريخ العماني” 2019م.
- الصور من أرشيف الباحثة الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية.
- صورة المسجد الأرشيفية من صفحة ناصر الجساسي (@NASERALJSSASI) في تويتر.
صورة المسجد الأرشيفية من صفحة ناصر الجساسي (
@
NASERALJSSASI
) في تويتر.