مسقط – أثير
إعداد -ريما الشيخ
كان عطاؤهن مُتميَّزًا بدون حدود، وشاركن بعلمهن ودرايتهن، فثبتت أعمالهن على أوراق التاريخ، ولم يكُن القصد الشهرة بل إفادة الآخرين بالعلم ونوره.
هكذا برز دور المرأة العُمانية في التاريخ العُماني بأدوار سياسية واجتماعية واقتصادية منذُ سنوات طويلة، فهناك أسماء أسهمت بعطائها للمجتمع العُماني، فأصحبت الأخت المُشاركة في جوانب الحياة المختلفة، وشغلت مناصب عديدة، وكان لها دور كبير في نهضة المجتمع العُماني، لما تمتَّعت بهِ من حرية ومساحة فكريّة، فحصلت على التعليم وشاركت في جميع المهن مع أخيها الرجل.
اليوم “أثير” تدخل أورقة التاريخ لتذكر بعضًا من نساء هذا البلد المعطاء:
دام عطاؤها 50 عامًا:
خاضت المرأة العُمانية غمار دراسة القانون وحصلت على شهادة عليا فيه، مثل المحامية سعاد بنت محمد اللمكية، أول مستشارة قانونية عُمانية، فكانت الفتاة الوحيدة في دفعتها بكلية الحقوق في إيرلندا.
دام عطاؤها 50 عامًا:
في أربعينيات القرن العشرين ولدت سعاد بنت محمد بن ناصر بن سليمان اللمكية بزنجبار، وتعود أصولها إلى حلّة الظاهر بولاية الرستاق، بعد أن ختمت القرآن ألحقها والدها بمدرسة خاصة في زنجبار وهي مدرسة القديس جورج للراهبات، وفي عام 1954م ذهبت للقاهرة للدراسة، فالتحقت بالمدرسة الأمريكية للبنات، وفي عام 1956 سافرت إلى إيرلندا لاستكمال دراستها.
وقد التحقت بإحدى أعرق جامعات إيرلندا لدراسة القانون وهي جامعة (ترينيتي كوليدج) العريقة عام 1959 ، واختارت التخصص الذي يؤهلها أن تكون قاضية أو محامية أو عضوة دفاع، وكانت الفتاة الوحيدة في دفعتها، وتزامنت دراستها مع تدريبها في مؤسسة قانونية عريقة هي جمعية (كينز إن)، ثم عادت فور تخرجها وحصولها على شهادتها المهنية في نوفمبر 1963 إلى زنجبار لتمارس مهامها العملية.
بدأت المحامية سعاد اللمكية مسيرتها العملية في زنجبار في سبتمبر 1966م، فعملت في الأحوال المدنية ،ثم نقلت خدماتها إلى وزارة المالية في منصب عالٍ يوازي منصف وكيل وزارة عام 1967 ، مع إشرافها على الدائرة القانونية بالوزارة، واستمرت في هذا العمل حتى ديسمبر 1970 كانت خلالها تقدم محاضرات في القانون التجاري في كلية الاقتصاد.
ومنذ عام 1971 وحتى أبريل من عام 1972 عملت في الادعاء العام التنزاني كأول امرأة تعمل فيه، وفي ديسمبر من عام 1972 عرض عليها النائب العام في تنزانيا العمل في مجال القضاء، وكانت ثاني امرأة تتبوأ منصب القضاء في دار السلام، وظلت في المحاكم والقضاء حتى نوفمبر 1974م.
وبعد وصولها للسطلنة بفترة وجيزة عملت اللمكية في إدارة الموارد البشرية عام 1975، بشركة عمان تل كما تعرف حاليًا ، ثم انتقلت للعمل في مجال الموارد البشرية بشركة تنمية نفط عمان وتحديدًا في سبتمبر من عام 1975، ولم يدم عملها بالشركة لأكثر من سنتين بسبب عدم وجود إدارة للشؤون القانونية، حيث انتقلت للعمل في مجال العقود بشركة (أدنوك) في إمارة أبو ظبي، وكان ذلك في مايو من عام 1977.
وعادت المحامية سعاد اللمكية إلى السلطنة عام 1994م، وعملت كمستشارة قانونية في وزارة الشؤون القانونية بعد إنشائها بفترة وجيزة ، وقد عملت في الوزارة لمدة 17 عامًا مثلت خلالها السلطنة في مفاوضات مهمة، منها مع شركة شل العالمية امتدت لمدة سنة ونصف السنة، كما شاركت في مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة مع الجانب الأمريكي.
وفي عام 2001 صدر القرار رقم 2\11 بتقاعدها اعتبارا من 14 أبريل 2011م بعد أن وصلت لمرتبة مستشار من الفئة أ، وبعد أكثر من 50 سنة من العطاء المتواصل في مجال القانون وغيره من المجالات الإدارية والفنية المتعلقة به.
كرمها الرئيس المصري الراحل أنور السادات:
ظهر اسمها في المجال العلمي، وتعد أول امرأة عمانية وخليجية تحصل على شهادة الدكتوراه وثاني امرأة تحصل عليها في الوطن العربي، بالإضافة إلى كونها تلميذة عميد الأدب العربي طه حسين، وهي الدكتورة فاطمة المعمرية.
ولدت الدكتورة فاطمة بنت سالم المعمرية بزنجبار في الثالث من مارس 1911، وسافرت إلى مصر في عام 1918 طلبًا للعلم، فدرست مع الدفعة الأولى للبنات بمدرسة السنيّة الواقعة في حي السيدة زينب، وتعد أول وأعرق مدرسة حكومية ثانوية للبنات، فحصلت على شهادة الكفاءة في عام 1927، ضمن ثماني بنات هن الدفعة الأولى التي حصلت على هذه الشهادة، ثم شهادة البكالوريوس عام 1929، ثم حصلت على شهادة الليسانس من كلية الآداب في الجامعة المصرية عام 1933، كما حصلت على دبلوم التربية في عام 1927، ثم شهادة الماجستير في عام 1942 بمرتبة الشرف الثانية من قسم الدراسات القديمة بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول، ثم سافرت إلى أوروبا في أوائل الخمسينات من القرن العشرين لدراسة الدكتوراه في مجال اللغة اللاتينية بكلية الآداب بجامعة لندن وحصلت عليها عام 1955، وتعد المرأة العربية الثانية التي تحصل على الدكتوراه في الوطن العربي.
وعادت الدكتورة فاطمة المعمرية إلى عُمان في بداية عام 1974 حيث تم تعيينها في مطلع ثمانينات القرن العشرين أستاذة للغة الإنجليزية بوزارة الدفاع وقوات السلطان المسلحة في مسقط.
كرّمت فاطمة المعمرية بميدالية ذهبية من الرئيس أنور السادات عام 1976، كما تم تكريمها في السلطنة في الأول من ديسمبر عام 1982 في الاحتفال المقام بالنادي الجامعي على اعتبار أنها أول من حظي بالتعليم العالي ونال درجة الدكتوراه بسلطنة عمان.
توفيت الدكتورة فاطمة بنت سالم المعمرية بمسقط يوم الاثنين الثامن من يوليو عام 2002، بعد معاناةٍ طويلة مع المرض استمرت سبع سنوات، ودفنت بمدافن العامرات بمحافظة مسقط.
عطاء بكرمٍ منذُ القدم:
كأن التاريخ يُعيد نفسه بِبُرُوز هامات من النساء أتَين بعلمهن ومعرفتهن تكملة لمشوار من سبقوهن به، مثل الشيخة زوردة بنت عبدالله بن محمد الكندية (ق12هـ) التي “جعلت من مصلاها مركزا علميا دعويا وإصلاحيا، يرد من معينه النساء كافة، وقد استفدن من هذا المركز استفادة كبيرة”.
وأيضًا الشيخة ضنُوه بنت راشد بن عمر الخفيريَّة النزوية (ق12هـ). التي بلغ من شدّة حرصها على العلم أن الناس كانوا يضربون بها المثل لبناتهم على صورة التوبيخ، قائلين للبنت: “تراك لست ضنوه”، وكان لها مدرسة يدرّس فيها العلم الشرعي، وخزانة كتب مخطوطة، أوقفتها بعد وفاتها لطلبة العلم.
وكذلك الشيخة زيانة بنت سلوم بن سعيد أمبوسعيدية (ق14هـ)، اشتغلت بطلب العلم، أعطاها الله ملكة في علم الميراث، وزاد اهتمامها بتأسيس مكتبة علمية يقصدها المتعلمون، وذلك لما زخرت به هذه المكتبة من مكنونات الكتب النفيسة، والمخطوطات الثرية كبيان الشرع، والمصنف، والضياء، وقد أوقفتها في سبيل الله.
وأخيرًا وليس حصرًا نتحدث عن الشيخة نضيرة بنت العبد بن سليمان الريامية (ق14هـ) التي ولدت ببلدة «معمد» إحدى قرى ولاية منح، واغتنمت حياتها في طلب العلم وتحصيله، وحفظ كتاب الله سبحانه وتعالى، مما كان له أثر في تكوينها العلمي، كما عدّت من العالمات البارزات في نظم الشعر، وأراجيز الفقه، ومن حبها للخير، ونشر العلم بين الناس، فقد كانت توزع الصدقات على طلاب العلم، كما كانت لها مدرسة علمية وهي المدرسة الطينية المجاورة لبيتها، لطلبة العلم وحفظة القرآن الكريم، ولم يقف اهتمامها لهذا الحد، بل قامت بتأسيس مكتبة علمية تضم عشرات المخطوطات النفيسة.
وهناك أسماء لنساء ماجدات نوَّرت أسماءهن تاريخ عمان ولا تزال هذه الأسماء تتكرر لما اعطين من الدين والعلم والمعرفة، وشاركن بالعطاء بلا حدود، فلهُنّ الخُلود على مر التاريخ.
ولهذا تكمل اليوم المرأة العُمانية دورها في الحياة العصرية، لتحيي سلالة أمجاد النساء العُمانيات سابقًا بما وهبتهُ من تضحية وإخلاص في عملها لرفع شأن بلدها بالمحبة والتفاني لنهضة هذا البلد العظيم.
فتحية لكِ أيتُها المرأة العُمانية بيومك هذا المُميز الذي امتلأ بوجودكِ.
المصادر:
الراشدي: المرأة العمانية سخّرت طاقاتها وإبداعاتها في نســـــخ العلم ونشره، جريدة عمان، 15/6/2016
(جريدة عمان، 15/6/2016)
الريامي، ناصر بن عبد الله. زنجبار شخصيات وأحداث، ط2، مكتبة بيروت، مسقط، 2009.
الكندي، عبد الله بن خميس. الاسهامات الثقافية والمهنية لرواد العهد الأول من تاريخ الصحافة العمانية، مجلة الدراسات العمانية، العدد 16.
حوار مع المحامية سعاد اللمكية، مجلة المجتمع والقانون، العدد 15 نوفمبر 2019،
البوعلي، آسية. الرائدة فاطمة بنت سالم بن سيف المعمري، ط2، بيت الغشام للنشر والترجمة، مسقط، 2014.
الموسوعة العمانية. المجلد الثامن، حرف الفاء، ط1، وزارة التراث والثقافة، مسقط، 2013.
المصادر