أثير- جميلة العبرية
يُعرَف الزواج غير الآمن من الناحية الطبية بأنه ذلك الزواج الذي يتم بين زوجين يحمل كلاهما أو أحدهما طفرات جينية مرضية، سواء كانت هذه الطفرات مصاحبة لظواهر مرضية ظاهرة على أحدهما أو كليهما أو غير مصاحبة لأيٍّ منها؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى ولادة أطفال غير أصحاء ومصابين بأحد الأمراض الوراثية والخلقية المزمنة بنسب واحتمالات مختلفة، مما يجعلهم أفرادًا مُصابين بإعاقات ذهنية وجسدية مُزمنة، وذلك نتيجة انتقال الجينات المرضية من أحد الزوجين أو كليهما للأبناء.
في هذا الجانب تواصلت “أثير” مع الدكتور مسلم بن سعيد بن محمد العريمي رئيس قسم الاستشارات الوراثية والتثقيف الوراثي بالمركز الوطني للصحة الوراثية بالمستشفى السلطاني الذي قال في البداية: إن من أهم ما يتميز به المجتمع العُماني هو الترابط الأسري القوي الذي حث عليه ديننا الحنيف. ومع مرور الزمن ومع وجود هذا الترابط الأسري المتشعّب نشأ معه كثرة التزاوج من الأقارب على مختلف مستوياته حتى أصبحت هي القاعدة، حيث كانت نسبة الزواج من الأقارب من الدرجة الأولى 24%، بينما كانت النسبة 11.8% بين الأقارب من الدرجة الثانية، في حين شكّل الزواج بين الأفراد من القبيلة نفسها ما نسبته 20.4% .
وأضاف: تُعدّ هذه النتائج من النسب العالية للزواج من الأقارب على المستوى العالمي إذا ما عرفنا أن معدل الزواج من الأقارب في كثير من الدول يبلغ حوالي 8.5 %. وقد نتج عن كثرة هذا النوع من الزواج زيادة واضحة في معدلات الإصابة بالأمراض الوراثية والعيوب الخلقية بأنواعها المختلفة .
وذكر الدكتور: أبدت الدراسات البحثية في مجال الوراثة المرضية وبشكل مستفيض مجموعة من النتائج المهمة فيما يخص علم الوراثة المرضي، حيث بيّنت بأن الجينات تكون متشابهة بين أبناء (العم والخال)، فكل فرد يشترك مع أعمامه وأخواله وعماته وخالاته في ربع المورّثات، ويشترك مع أولادهم في ثمن المورّثات، ومن هنا نستنتج أن نسبة التقاء المورّثات المرضية من الأب مع مثيلاتها من الأم ترتفع وبالتالي تزداد احتماية انتقال الصفة المرضية للأولاد. بينما يقل عدد المورثات أو الجينات المتشابهة بين الزوجين في حالة البعد في القرابة.
وأوضح الدكتور بأن احتمالية الإصابة بالأمراض الوراثية تزداد في زواج الأقارب أكثر منها في زواج الأباعد. وقد أثبتت معظم الدراسات المقارِنة بين زواج الأقارب وزواج الأباعد أن آباء الأطفال المُصابين بأمراض وراثية يرتبطون بعلاقة قرابة بدرجات مختلفة أكثر نسبيًا مقارنة بالأطفال المصابين من الذين لا توجد صلة قرابة بين آبائهم. كما أوضحت دراسات المسح البياني للحالات المصابة بالأمراض الوراثية أن معدل الأمراض الوراثية في زواج الأقارب يرتفع إلى ما يقارب الـ 4%، أما في زواج الأباعد فيتراوح بين 2% إلى 3%. كما أكدت معلومات رقمية أن الوراثة من أكبر أسباب الإعاقة، حيث إن هناك علاقة إحصائية طردية بين زواج الأقارب، إذ يرفع هذا الزواج نسبة التشوّهات الخلقية إلى الضعف، وبالتالي يؤدي إلى زيادة نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة نتيجة لهذه المعضلة الصحية.
وأكّد العريمي بأن جُل الأمراض الوراثية تنتشر بشكل أسرع في زواج الأقارب، لكن من المهم التوضيح بأن هذا لا يعني تماما أن كل زواج بين الأقارب سيؤدي إلى ولادة أطفال مُصابين بأمراض وراثية، ففي أحيان كثيرة لا تخضع عملية توارث الجينات المعطوبة للقرابة، بل تنتشر لأسباب لا علاقة لها بزواج الأقارب مطلقًا؛ فإذا ما كانت الجينات المتشابهة في الزوجين سليمة، كانت ذريتهما سليمة، أما إذا كانت مُعتلة أو بها طفرة مرضية، فإن التبعية تكون في الأولاد.
وأطلعنا الدكتور على أن الأمراض الوراثية ذات الصفة المتنحية (أي التي يلزم أن يكون الأبوان حاملين لجيني المرض) تبلغ نسبتها أكثر من 70% من مجمل الأمراض الوراثية المسجلة في السلطنة مشكلةً بذلك النسبة الأكبر من مجمل الأمراض الوراثية. موضحًا: تُعدّ أمراض الدم الوراثية أحد أمثلة الأمراض الوراثية المنتقلة بهذه الطريقة، وقد بينت أحدث الإحصائيات أن نحو 10% من العائلات العُمانية يوجد بها على الأقل طفل واحد مصاب بأحد الأمراض الوراثية التي تتراوح شدتها ما بين الأقل تأثيرًا في الظواهر المرضية إلى متوسطة التأثير، والتي تؤدي إلى مستويات مختلفة من الإعاقة الذهنية لدى الطفل المصاب.
وأشار الدكتور إلى أهمية قيام المُقبِلين على الزواج- سواءً من الأقارب أو من غيرهم- بإجراء الفحص الطبي اللازم قبل الزواج للأمراض الوراثية، حتى يحموا ذريتهم من هذه الأمراض.