أثير- مكتب أثير في تونس
إعداد : محمد الهادي الجزيري
أستعين دائما بصديق ..وها إنّي لإتمام هذه المهمة ..لجأت إلى الشاعر الليبي خالد درويش ، فعدت فرحا بما منحني ، عدت بكتابه ” سيرة الوردة ” الطافح بشخصية الشاعر الكبير الراحل منذ أكثر من عشر سنوات : الملقّب بشاعر الوردة ..عاشق ليبيا وفاطمة ..علي صدقي عبد القادر ..، وسأحاول أن أقتطع من الكتاب أهمّ المراحل والمواقف التي مرّ بها والآراء التي قيلت فيه ..إضافة طبعا تأريخ أهمّ المحطات التي عرفتها حياته المليئة بالحب والشعر والحياة في أبهى تجلّياتها ……..
كان جاري ..إذ أنّ ليبيا نافذة تونس على الشرق ..لكنّنا لم نلتق إلا في طريق وعرة ومخيفة أيام كنّا نحجّ إلى بغداد ..السنوات الأخيرة من الألفية الفائتة ..، عرفته في الحافلة المخصصة لنقلنا إلى عاصمة الثقافة العربية ..بغداد الأسيرة المحاصرة آنذاك ..، كان صامتا متواضعا ..وكانت الوردة ملاصقة لصدره ..مزدانة بوهجه الأخاذ ..مثلما حُكيَ لي عليه ..، ولم يرتفع صوته إلا حين اقتربنا من بغداد ( صاح مهللا ..يا مرحبا بسيدة الشعر ) وأذكر كذلك رحلتنا مع رفاق الكلمة إلى مدينة زلّة داخل الصحراء الليبية ..، لقد كان رفيق سفر ممتاز ..قليل الكلام كثير الهدوء ..محبّا للحياة ….
” من العالم الحرّ سدّ الأفق
بأجنحة من غسق
بها يختنقْ
ومن يومها حزنت نخلة.
أبي قد سقاها بعينيه ، عند آذان الصباح
يباركها ، وهو ماض إلى المسجد
مع الله في موعد
ومن يومها لم تهبنا فصوص الشرّ
ولم تعط حتّى الظلال ، ظلال الشجرْ
لئلا يذوق الجراد ، رحيق النخيل
ولا يتقي بالظلال الهجير
لتبقى حزينة
وفي حزنها كبرياء النخيل “نمرّ إلى الشهادات الكثيرة في حقّه ..، وأوّلها شهادة رامز رمضان النويصري الذي رأى في الفقيد أنّه آب إلى ملجئه الأخير ..:
” وعاد الشاعر إلى حضن معشوقته ، إلى الأرض التي طالما تغنّى بها ، وباهى بها بلاد العالم ، وراهن على ملحها وياسمينها وفلها ، ونسائها اللواتي علّمنه كيف يبتسم كلّ صباح ، وهو يقبّل فنجان قهوته ، عاد الشاعر لينتشر في خضرة النباتات ، وألوان الزهور ، وغناء العصافير ، يتسرّب إلى الماء فينضح الشجر قصائد وأشعارا ، عاد الشاعر ليبدأ حكاية جدية ، فصلا جديدا ، حبّا جديدا ، عاد ليبدأ من جديد ..”