أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في مثل هذا اليوم قبل (111) سنة، أي في الرابع من أكتوبر من عام 1913م توفي السلطان فيصل بن تركي بن سعيد عن عمرٍ يناهز الخمسين عامًا، بعد أن قضى في أريكة السلطنة حوالي (25) عامًا شهدت العديد من الأحداث السياسية المهمّة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
والسلطان فيصل بن تركي هو ثاني أبناء السلطان تركي بن سعيد، ولد في حوالي عام 1280هـ الموافق 1864م، وقد اضطلع بالعديد من المهام الإدارية والعسكرية في عهد والده، فعينه واليًا على نزوى وسمائل، وقاد في عام 1881م حملةً ضد سكان وادي سمائل والمعاول. كما رافق الحملة على بني بطاش في عام 1883م، وقاد في عام 1886م حملة على ظفار، وقد تولى حكم عُمان بعد وفاة والده السلطان تركي في عام 1305هـ الموافق 1888م.
أحداث سياسية
شهدت فترة حكم السلطان فيصل بن تركي العديد من الأحداث السياسية سواءً تلك المتعلقة بالشأن الداخلي وعلاقته مع القبائل، أو المتعلقة بالشأن الخارجي وبالأخص العلاقات مع بريطانيا وفرنسا في ذروة الصراع بينهما في منطقة الخليج، ففي عهده تم توقيع معاهدة الصداقة والتجارة والملاحة مع الحكومة البريطانية من أجل تحسين العلاقات معها في عام ۱۸۹۱م، وقد هدفت بريطانيا من توقيع هذه الاتفاقية إلى تقوية نفوذها في الوطن العربي وإبعاد النشاط الفرنسي الذي بدأ يظهر بصورة واضحة في المنطقة. كما كانت هذه الاتفاقية جزءًا من سياسة بريطانية عامة هدفها السيطرة على جميع الساحل العربي، وقد حاول السلطان فيصل تحرير نفسه من القيود التي فرضتها عليه المعاهدة التي وقعها مع الإنجليز، فأقام علاقات ودية مع المبعوثين الفرنسيين الذين أقنعوه بمنحهم حق امتياز محطة للفحم في منطقة الجصة بالقرب من مسقط، الأمر الذي أثار غضب بريطانيا لكنه رفض أن يتراجع عن التزامه، فوافقت بريطانيا على تزويد السفن الفرنسية بالفحم من محطات بريطانية خارج الموانئ العمانية.
وفي عهد السلطان فيصل حدثت مسألة الأعلام الفرنسية التي استعملتها السفن العمانية، وخاصةً سفن أهالي صور، للتهرب من القضاء على تجارتي الرقيق والسلاح، وتم رفع الموضوع إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي التي أصدرت حكمها بتاريخ 8 من أغسطس 1905م، وحصرت رفع الأعلام الفرنسية على السفن التي حصلت على التصريح قبل تاریخ 2 من يناير 1892م، وهو تاريخ التوقيع على ميثاق بروكسل الخاص بالتفتيش البحري ومنع تجارة الرقيق.
وفي عهده، أصدر السلطان فيصل بن تركي قانون منع تجارة الأسلحة في مسقط عام 1912م، الذي عارضته العديد من القبائل العمانية، وكانت مسقط قد غدت وقتها أكبر سوق للسلاح في الشرق الأوسط، وبلغ دخلها في عام 1891 حوالي أربعة ملايين روبية، ووصلت حصة السلطان من أرباح هذه التجارة إلى حوالي 30%.
إنجازات إدارية
كان السلطان فيصل بن تركي من أوائل السلاطين الذين اهتموا بالجانب الإداري وأولوه اهتمامًا مبكرًا بحسب التطورات التي شهدتها تلك الفترة الزمنية، ففي عهده تم دخول خدمات الاتصالات بالبرقية في عام 1901، كما تم وضع حجر الأساس لمستشفى مسقط الخيري عام 1909، وتم إشهار جمعية الإخاء التي كان يرأسها السيد تيمور بن فيصل، كما تم إنشاء معمل الثلج الوطني بمسقط عام 1911.
اهتمامات فكرية
عُرِف عن السلطان فيصل اهتمامه بالفكر والثقافة، وكان يحيط مجلسه وحاشيته بالعديد من العلماء، والأدباء، والشعراء، لذا فقد ظهر في عهده عدد من الأسماء البارزة في المجالات الفكرية المختلفة، كالزبير بن علي، وابن شيخان السالمي، وأبي الصوفي، وصالح بن عامر الطائي، وراشد بن عزيّز الخصيبي، وغيرهم الكثير من تلك الشخصيات البارزة.
كما شهدت فترة حكمه زيارة عدد من الأدباء والمفكرين، والرحّالة، والصحفيين العرب إلى مسقط، حيث التقوا بالسلطان، وأثنوا على كرمه وتسامحه واهتماماته الفكرية، ومن بين هؤلاء: السيد محمد رشيد رضا صاحب (المنار)، والصحفي قاسم الهمايوني، والأنطاكي، والقسّيس مار أثناسيوس نوري، والمفكّر هبة الله الشهرستاني الذي وصف السلطان بقوله: " أما هو فرجلٌ كهل حسن الأخلاق جدًا لطيف المعشر، ترابي المزاج، يصافح حتى الأطفال والعبيد ولا يراه الإنسان إلا باسم الثغر كأنه ملاء نشاطًا وأريحية، لم أجد في ملوك العرب مثله، ورأيت رعاياه يفادونه بالمال والروح”. وقد ألّف الشهرستاني مخطوطة تناول فيها نقاشاته مع السلطان سماها (فيصل الدلائل في أجوبة المسائل).
كما تحدث القسيس أثناسيوس عن مناخ الحرية الفكري في بلاط السلطان فيصل حيث يذكر: “وكأن أحد الوزيرين والكاتب يسألاني عن القرآن والإنجيل ويجادلاني في قضية الدين، فطال الجدال بنا وقد التزم الجميع الحشمة والأدب مع الحريّة التامّة في هذا البحث أمام السلطان، وهو يظهر على نفسه أمارات البشاشة والفرح من الجدال. وكان أحد الوزيرين يكثر من طرح الأسئلة فأعطيته الجواب عنها كلّها، فقال له السلطان: يا عليّ، إنك تفتح أبوابًا ولا تدري كيف تقفلها”.
ويضيف أثناسيوس في معرض حديثه عن الحرية الفكرية في بلاط السلطان فيصل قائلًا: “وكدنا لا نصدّق أن حرية الأديان مطلقة في هذه البلاد إلى هذه الدرجة، حتى إن للبروتستانت مكتبة دينية في سوق البلدة يبيعون فيها كل الكتب التي تضاد معتقدات المسلمين، مثل كتاب إسحق الكندي، وميزان الحق، وغيرها، وليس من معترض، ولا مانع”.
أبناؤه:
أنجب السلطان فيصل بن تركي أحد عشر من الأبناء الذكور، هم: بدران الذي توفي صغيرًا، وتيمور، ونادر، ومحمد، وحمد، وحمود، وسالم، وعلي، وملك، وشهاب، وعباس، بالإضافة إلى اثنتي عشرة بنتًا.
المراجع
- البوسعيدي، نصر. الاتفاقية التي عُرفت باسم اتفاقية الحماية البريطانية على مسقط وعُمان عام 1891م، موقع أثير الالكتروني، 13 أغسطس 2014.
- الرحبي، فهد بن محمود. عمان في عهد السلطان فيصل بن تركي، دار الانتشار العربي، بيروت، 2018.
- الحسيني، فاضل محمد. الصراع البريطاني الفرنسي حول تجارة الأسلحة في عمان، مجلة الوثيقة، مج 21 , ع 41، البحرين، يناير 2002، ص 138-139
- الربيعي، إسماعيل. تجارة السلاح في الخليج العربي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، مجلة الوثيقة، مج 14 , ع 2، البحرين، 1995، ص 80
- الشهرستاني، هية الدين. رحلة السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني إلى الهند، تحقيق جواد كاظم البيضاني، ط1، دار مدارك للنشر، بيروت، لبنان، 2012.
- العريمي، محمد بن حمد. الوالي إسماعيل، دار باز، مسقط، 2022.
- مكتبة قطر الرقمية. عدّة تقارير تتناول الوضع في عمان في النصف الأول من القرن العشرين، ومطلع القرن العشرين، www.qdl.qa
- نوري، مار أثناسيوس. رحلة إلى الهند، تقديم نوري الجرّاح، دار السويدي للنشر والتوزيع، ط1، أبوظبي، 2003.
