أثير - ريما الشيخ
في رحلة ملهمة تميزت بالطموح والالتزام، بدأت مهندسة عمانية مسيرتها في مجال تخطيط المدن والتصميم المعماري بعد قبولها في تخصص الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني بالجامعة الألمانية للتكنولوجيا، فانجذبت لهذه الدراسة بسبب ارتباطها الوثيق بالحياة اليومية للناس ودورها في تحسين جودة الحياة المجتمعية، حيث كان تخصصها أكثر من مجرد اختيار أكاديمي؛ بل كان بداية لحلم أكبر يتمثل في بناء مدن مستدامة تلبي احتياجات الأجيال الحالية والمستقبلية.
إنها الشابة نور بنت عبدالله بن علي الرئيسية، التي انطلقت مسيرتها المهنية في القطاع الخاص في عام 2013م، حيث التحقت بمشروع مطار مسقط الدولي، أحد أكبر وأهم المشروعات التنموية في سلطنة عمان، وكانت هذه الخطوة الأولى الحقيقية لها في عالم الاحتراف الهندسي، وهي الخطوة التي وضعتها على طريق التميز والتفوق المهني.
عملت الرئيسية في شركة “ألترا إلكترونكس” من 2013م حتى 2015م وهي شركة دولية متخصصة في تقديم حلول تقنية للمشروعات الكبرى، بما في ذلك إدارة حزم العمل المختلفة في مطاري مسقط وصلالة، وهناك تعلمت كيف تعمل الفرق الكبيرة متعددة التخصصات معًا لتحقيق الأهداف، وكيفية التعامل مع التحديات الفنية والتعاقدية لضمان الالتزام بالجودة والجدول الزمني والميزانية المحددة.
بعد تجربتها الغنية في “ألترا إلكترونكس”، انضمت إلى شركة “غفاري”، وهي شركة استشارية عملت على مشروعات متعلقة بمباني الشحن وصيانة الطائرات في مسقط وصلالة، ومن خلال هذا الدور، توسعت معرفتها بأساليب التصميم المعماري والتخطيط العمراني، مما أسهم في تطوير شخصيتها المهنية وتعزيز قدرتها على مواجهة التحديات بمرونة وابتكار.
وفي عام 2018م قررت الانتقال إلى القطاع الحكومي لتوسيع نطاق تأثيرها في مجال التخطيط العمراني، فانضمت إلى المجلس الأعلى للتخطيط (حينها)، الذي كان يمثل فرصة مثالية لها لتطبيق خبراتها المكتسبة من القطاع الخاص على نطاق أوسع، وعملت في مشروعات تخطيطية إستراتيجية تهدف إلى رسم مستقبل عمان الحضري، وأبرزها الإستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية، وفي عام 2020م وبسبب الدمج بين المجلس الأعلى للتخطيط ووزارة الإسكان، انتقلت للعمل في الوزارة، حيث شغلت منصبًا رئيسيًا في إدارة مشاريع التخطيط العمراني، بما في ذلك تخطيط المدن الكبرى مثل مدينة نزوى.
أثناء عملها في هذه المشروعات الكبيرة، واجهت العديد من التحديات التي تتعلق بالتنسيق بين مختلف الجهات الحكومية والمجتمعات المحلية، بالإضافة إلى ضرورة تحقيق توازن بين الابتكار والالتزام بالحفاظ على الهوية الوطنية في التصميم المعماري، ولم تكن هذه التحديات مجرد عراقيل، بل كانت فرصًا لها للتعلم والنمو، خصوصًا فيما يتعلق بربط الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في عملية التخطيط لضمان تحقيق التنمية المستدامة.
وتعد الشابة نور أن إسهاماتها في المشروعات لم تكن مجرد أعمال هندسية، بل كانت بمثابة فرص لإحداث تغيير حقيقي في البنية الأساسية وتقديم حلول معمارية تعزز من كفاءة المدن وقدرتها على تلبية احتياجات المستقبل، ومن بين تلك الإنجازات التي تفخر بها أيضًا هو عملها في “مؤتمر أكتوبر العمراني”، الذي أدارته لمدة خمس سنوات على التوالي، ما أتاح لها الفرصة للتفاعل مع خبراء من جميع أنحاء العالم ومناقشة أحدث الابتكارات في مجالات التخطيط العمراني والهندسة المعمارية.
وتؤمن نور أن الفشل جزء لا يتجزأ من عملية النمو المهني، وأن الدروس المستفادة من التحديات تساعد على تحسين الأداء وتقديم أفضل الحلول في المستقبل، ودائمًا ما تقول إن العمل الجماعي هو المفتاح للتغلب على الصعوبات، وإن الإصرار والمثابرة هما العاملان الأساسيان لتحقيق النجاح في أي مجال.
وفي ختام حديثها مع “أثير”، وجهت نور الرئيسية رسالة للشباب الطموح الذين يرغبون في دخول مجال التخطيط العمراني وهي أن يكونوا دائمًا متعطشين للمعرفة وأن يحرصوا على تطوير مهاراتهم باستمرار، فالتخطيط العمراني، في نظرها، ليس مجرد مهنة، بل هو أسلوب حياة يتطلب التفكير الإبداعي والرغبة في التغيير الإيجابي، وتؤكد أن المستقبل يحمل الكثير من الفرص، خصوصًا مع التطورات المتسارعة في العالم المعرفي، وأن الشباب العماني أمامهم مجال واسع لإحداث فرق حقيقي في بناء المدن المستقبلية.