العمانية - أثير
”للخط العربي هندسة أبعد من مجرد النقاط على الحروف في حقيقتها، فهي تعتمد على إظهار النسبة الذهبية في كل حرف وإظهار هذه النسبة في تناسب أطوال الحروف مع بعضها البعض“، بهذه العبارة يصف الخطاط العُماني أحمد بن خلفان الرواحي علاقته بالخط العربي، وماهيته، وخصوصيته في حوار خاص لوكالة الأنباء العُمانية.
وحول شغف التجربة والسفر نحو الإبداع في حيثيات الخط العربي، وما حققه من نتائج نوعية على أرض الواقع يقول الرواحي: بدون الشغف لا أعتقد أن هناك إبداعًا في أي مجال يود المبدع المبتكر الوصول إليه، وأؤكد على أن الشغف الفني والأدبي دفعني لتعلم فن الخط العربي الأصيل.
بدأت بصقل موهبتي عندما التحقت بالجمعية العُمانية للفنون التشكيلية في عام 2014م وتتلمذت على يد معلمي سلطان الراشدي، فالبداية تمحورت حول تعلّم خطي الرقعة والديواني الكلاسيكيين اللذين يعتبران مفتاح تعلم الخطوط الستة الأساسية وقد اعتمد في تعليمنا ”حينها“، على نهج المدرسة العُثمانية للخطاط محمد عزت، ومع تقدم الوقت تطورت في عدة خطوط أخرى منها خط و قواعد خط النسخ مع الخطاط جاسر الشمري من دولة الكويت، وقد خضت العديد من حلقات العمل من أجل ذلك لاحقا، مع الالتقاء والتعلم مع كبار الخطاطين المعاصرين في سلطنة عُمان، وعدة دول عربية وتعلمت عدة علوم واكتسبت المعرفة واستكشفت كافة أسرار وتفاصيل الخط العربي.
ويتحدث الرواحي عن تتبعه أثر الخط العربي وتطوره، وقيمته بين الحداثة والعراقة في مخيلته فيقول: الخط العربي له تاريخ قديم جداً وما جاء في حقبة بداية الإسلام هو امتداد لوجود الخط العربي عند العرب بشكل خاص والمسلمين بشكل عام، أما بالنسبة للحداثة فهي إحداث تغير في شيء ما من أجل بقاء أصله، وإن إخراج الخط العربي من قواعده بشكل يجعله شيئًا جديدًا بغرض إظهار جماليته أو مواكبة العصر الحديث ما هو إلا هروب من الاستطاعة، وعلى الخطاط التمكن من أدواته لرسم الخطوط العربية كما هي من حيث القواعد والمقاسات والهندسة للحرف العربي، لذلك نجد أن كثيرًا من المعالم في عصرنا الحديث اُستُخْدِمَت فيها خطوط كلاسيكية مثل خط الثلث مع تغيير بسيط ليتناسب مع الجمالية من جهة عصرية وهذا ما يجعلنا محافظين على عراقة الحرف العربي مع وجود الحداثة في هذا الفن.
وفي شأن الهندسة الروحانية والآلة الجسمانية للخط العربي وما يمكن أن تحققه تلك الهندسة حيث الإبداع والدهشة البصرية يوضح الرواحي: مما لا شك فيه فإن الخط العربي هو ”هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية “ وهي تصف عمق هذا الفن، كونه ينبع من روحانية الخطاط واستشعاره لرسم كل حرف من الحروف مع وجود الهندسة الخطية واستخدام النقاط لقياس أبعد الحروف ثم الكلمات ثم النص ثم اللوحة الفنية، و للخط هندسة أبعد من مجرد نقاط على الحروف في حقيقتها، فهي تعتمد على إظهار النسبة الذهبية في كل حرف وإظهار هذه النسبة في تناسب أطوال الحروف مع بعضها البعض، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن حرف الجيم له طول يتناسب مع طول حرف الألف وهذه الأبعاد في حقيقتها تمثل هذه الهندسة في الخط العربي.
ولأن الخط العربي يظهر اليوم في عدد من الأشكال الفنية كالزخرفة، الفن التشكيلي، الجداريات، يشير الرواحي إلى الأقرب إليه منهما واصفا ما حققه الخطاط العُماني من ابتكار وتجارب وتطور على المستوى المحلي والدولي في هذا الشأن فيقول: كثيرة هي الاستخدامات التي يشهدها الخط العربي في واقعنا المعاش، وتتجلى صوره في سياقات شتى، ومن استخداماته التشكيلات الحروفية والجداريات والديكور الداخلي والخارجي وحتى في نحت المنحوتات الفنية، كل هذه الاستخدامات هي ما تعكس حياة الإنسان المعاصر وتوجه الفن بشكل عام.
وفي العقود الماضية كان الخط يظهر على أشكال فنية مختلفة بما فيها اللوحة المنزلية، وزخرفة المتاحف والعمارة الإسلامية، وأن تغيّر الاستخدامات في كل فترة من الفترات لا ينقص شأن الخط بل يزيد من قيمته، ونحن نرى استخدام الخط العربي في الهدايا التذكارية والمخطوطات الرسمية على المستوى المحلي وعلى مستويات عالية جدا، ولا ننسى العلامات التجارية وهذا مؤشر مهم للنهوض بثقافة الخط العربي حول العالم، كما نرى العديد من المعارض الثقافية والفنية تتسم بطابع الحرف العربي وهو ما يجعل الخط يمثل هوية من هويات الدول العربية والمسلمة.
وفيما يتعلق بالتكنولوجيا، وأثر التسارع التقني على فن الخط العربي، والأدوار التي تقوم بها البرامج الحاسوبية والأدوات الرقمية في تصميم الخطوط العربية يعلق الرواحي: الخط بين التكنولوجيا والأدوات الكلاسيكية هي في سياق جعل الخط العربي عالميًّا وشموليًّا في الاستخدام، فالتكنولوجيا وأخص بالذكر ”برامج التصميم“ قد تختصر من الوقت الكثير الذي كان يبذله الخطاط في نسخ اللوحات أو تصميم اللوحات بالكتابة المتشابكة أو حتى في تصميم لوحات أو علامات تجارية بأشكال مختلفة وهي تقنيات مساعدة للخطاط ولكن كل هذا لا يغني عن تعلم أساسيات الخط العربي فيبقى أصل الحروف و أبعادها وكل ما يتعلق بقواعدها أمرًا ثابتًا، وأن هذه التكنولوجيا ستجعل من الأمر أكثر سرعة وذا جودة عالية.
وفيما يتعلق بحفاظ الخط العربي على هُويته وجماله في ظل طغيان المحتوى الرقمي، وما إذا كان هناك تأثير حقيقي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي على انتشار وتطوير هذا الخط يوضح الرواحي أن هوية الخط العربي ثابتة و لا أتصور أنه يمكن تغطية جماله في ظل وجود محتوى وخطوط رقمية، وكل تلك الخطوط التي تظهر على هيئة خطوط رقمية حديثة لا تؤثر على صورة الخطوط العربية ما لم يتم استخدامها في غير سياقها، وعلى سبيل المثال ما نراه في المسابقات الخطية على جميع المستويات وحتى على مستوى التشكيلات الحروفية لا يمكن أن نشهد أيًّا من الخطوط الرقمية ولا حتى في الاستخدامات الرسيمة وهذا ما يعكس ثبات جمالية الحرف العربي، أما بالنسبة لانتشار الخط العربي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى عن طريق الدروس الإلكترونية فهي تؤثر تأثيرًا إيجابيًا كبيرًا على تعليم الخط العربي وانتشاره، فقد كان عدد طلاب الخط سابقًا قليلين جدا مقارنة بعددهم اليوم، فهناك انتشار منقطع النظير في سياق تعلم الخط الذي بات في كل دول العالم وفي ظروف مثالية وسهلة وحتى مشاهدة خطوط الخطاطين على هذه المواقع يعطي تغذية بصرية لكل خطاط ومحبّ لتعلّم هذا الفن.
وعن الكيفية التي يمكن أن يكون الخط العربي من خلالها عاكسًا لماهية التراث والثقافة العربية وأهميته في الهوية الثقافية العربية يقول: انعكاس ثقافات الشعوب لها عدة وجوه وصور، يمكن أن تتجلى في واقع حياة الشعب نفسه، ولذلك نجد أن العرب والمسلمين قد اتخذوا خطهم جزءا من ثقافتهم، فنجد الخط العربي منقوشًا في المساجد أو محفورًا بين جدران المنازل وعادة ما يستخدم في المحافل والمناسبات وحتى في بعض الأقمشة والملابس، وأصبح حيًّا واقعًا للمجتمع العربي والمسلم ويمثل جزء مهمًّا من تمثيل هُويتهم.
وفيما يتعلق بالابتكار، حيث التحديات التي يواجهها فنانو الخط العربي بالإضافة إلى الفرص الجديدة التي يوفرها العالم الرقمي لتطوير ونشر الخط العربي يبيّن أن هناك جملة من التحديات تتمثل في نشر ثقافة الخط العربي وحقيقة تلك الثقافة، ونقلها للأجيال في المستقبل، كون أن تعلّم الخط العربي بحاجة إلى الصبر والمدة الطويلة حتى إتقانه وهذا قلّ ما نجده لدى الجيل الحالي ولكن نأمل انتشاره بشكل أوسع في سلطنة عُمان وفي الوطن العربي والعالم الإسلامي، فاللغة العربية في خصوصيتها مع الخط، هما وجهان لعملة واحدة كما قيل، يدوم الخط في القرطاس دهراً، و كاتبه رميم في الترابِ، و هذا ما يدل على أن الخط يستخدم للتوثيق، فهو يشكل موروث للغة في العلم والآداب وغيرها من العلوم، وأيضا قيل " الخط لسان اليد و تُرجمان اللسان " فما الخط إلا ناطق لما تنضح به اللغة و كما قال الخوارزمي في معادلته: إذا كان الإنسان ذا اخلاق فهو يساوي 1، وإذا كان الإنسان ذا جمال فأضف إلى الواحد صفرا يساوي 10، وإذا كان ذا مال ايضاً فأضف صفرا آخر يساوي 100، ونحن نزيد عليها وإذا كان ذا خط حَسن فأضف صفرا آخر يساوي 1000، فإذا ذهب الواحد وهو الأخلاق ذهبت قيمة الإنسان.
ويضيف: أما إذا تحدثنا عن الفرص في شأن مجال الخط العربي فهي قائمة على إيجاد وإنشاء خطوط جديدة مستوحاة أو مستنبطة من خطوط قديمة أو حتى جديدة بالكامل وهذا ما نراه اليوم على سبيل المثال في خط ”الوسام“ الذي ابْتُكر حديثاً ويسمى اليوم بخط عُمان الذي أنشئ بناءً على نمط الخط الذي كان يستخدمه العُمانيون قديمًا فمثل هذه الخطوط يمكن تحديثها وابتكارها وإدخالها رقميًّا وانتشارها بشكل أسرع بكثير.