أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
في شهر يناير من عام 1994م، وبمناسبة احتفال سلطنة عمان بعام التراث، احتفلت أسرة الشيخ عبدالله بن محمد بن خلفان بن راشد العلوي في منطقة العيجة بولاية صور بمرور (81) عامًا على ذكرى تدشين السفينة الشراعية المعروفة (السبع).
وقد شهدت منطقة العيجة وتحديدًا حارة (رأس الميل) تظاهرة شعبية شاركت فيها فرقة الفنون الشعبية بقيادة المرحوم سبيت بن خميّس العلوي رئيس فرقة الفنون الشعبية بالعيجة وقتها، بمناسبة عام التراث الذي صادف ذلك العام، وبمناسبة ذكرى السفينة (السبع)، حيث قام أبناء مالكها النوخذا الشيخ عبدالله بن محمد بن خلفان العلوي بتصميم نموذج مصغّر للسفينة من الأسمنت والخشب أمام منزل الأسرة لتكون ذكرى تراثية تتذكرها الأجيال، وتسطّر ماضي الآباء والأجداد.
“أثير” وفي إطار اهتمامها بالتاريخ البحري المجيد لسلطنة عمان، تقترب من تاريخ هذه السفينة العريقة، وذلك من خلال تقديم معلومات تتعلق بتاريخ صناعتها، وأبرز ملّاكها، ومواصفاتها، وأبرز الموانئ التي تنقّلت بينها، ونهايتها.
السفينة السبع
تعدّ السفينة (السبع) من أكبر السفن الصورية، بل والعمانية الشراعية التي ظهرت خلال النصف الأول من القرن العشرين قاطبة، حيث بلغت حمولتها حوالي (300 طن)، وكان لها نظيرات مقاربة في الحمولة مثل (الخالة)، و(الساحرة)، و(الشراكة)، و(جراندو)، و(معقولة)، وهي من السفن الصورية المعروفة التي جابت البحار الآسيوية والإفريقية شرقًا وغربًا.
أما عن تاريخ صنع السفينة فليس هناك تاريخ محدّد يمكن الاعتماد عليه، حيث يشير الباحث ربيع بن عمبر العريمي إلى أن السفينة (السبع) صنعت في عام 1895م. أما الشيخ محمد بن عبدالله بن خلفان العلوي فقد أشار في اللقاء الذي أجري معه خلال الاحتفال المشار إليه إلى أن السفينة قد تم بناؤها في عام 1914م تقريبًا، وقد استمرت في الخدمة حتى نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، وعلى وجه التقريب إلى عام 1957م.
وكانت السفينة قد وشرت (صنعت) بحي الصط للشيخ عليّ بن محمد بن مبارك آل فنه العريمي، ثم انتقلت ملكيتها للنوخذا راشد بن سعيد السناني، ثم اشتراها النوخذا الشيخ عبد الله بن محمد بن خلفان العلوي بالمبادلة.
أما الوستاد (المهندس) الذي أشرف على صناعة هذه السفينة الكبيرة فلا توجد معلومة دقيقة مؤكدة حوله بحد علم معدّ التقرير، نظرًا لقدم بناء السفينة، فبينما يشير الشيخ محمد بن عبدالله العلوي إلى أنه كان أحد أفراد أسرة (ولد جادوه) وهي أسرة هندية مارست صناعة السفن في ميناء صور حتى بداية القرن العشرين، تشير آراء أخرى إلى أن من وشرها هو الوستاد جمعة الشقّاق العريمي وهو من أقدم مهندسي بناء السفن الشراعية التي أنجبتهم هذه الأسرة العريقة وتبعته شخصيات عديدة من الأسرة أسهمت في صناعة العديد من السفن الكبيرة والمعروفة من بينهم صانع السفن الشهير محمد بن علي بن خميس الشقّاق.
مواصفات السفينة
عُدّت السبع من أكبر السفن العمانية في وقتها، وكان يبلغ طول هيرابها، أي الشاصي 42 ذراعًا، ومن الأعلى (100) ذراع، والعرض (18) ذراعا، أما الارتفاع فيبلغ (25) ذراعا من أسفل الدقل أي صاري السفينة.
أما عن طاقم السفينة فقد كان يتراوح ما بين 24- 26 بحّارا بالإضافة إلى الطاقم المعاون كالطبّاخ والنجّار والوليدات (الصغار) الذين يلتحقون بالسفن البحرية في بداية مراحل تعلّمهم.
رحلات السفينة السبع
ظلّت السفينة (السبع) تعمل لحوالي (55) عامًا خلال فترة انتقال ملكيتها بين النواخذا الثلاثة الذين امتلكوها، جابت خلالها موانئ عديدة في عمان والخليج العربي والمحيط الهندي.
وقد انتقلت ملكية السفينة إلى النوخذا الشيخ عبدالله بن محمد بن خلفان حوالي عام 1360هـ الموافق 1940 تقريبًا، حيث عملت لدى الأسرة لحوالي (17) عامًا متوالية حتى نهاية عام 1957 تقريبًا.
وكان النوخذا علي بن محمد الخيّال العلوي هو أول قبطان يتولى قيادة السفينة بعد انتقال ملكيتها إلى الشيخ عبدالله بن محمد بن خلفان العلوي. أما أبرز بحّارتها والذي عمل كمقدّمي (رئيس البحارة) أو نائب النوخذا للسفينة السبع لفترة طويلة، فهو جمعه بن خميس بن فرج العلوي.
وكانت أول انطلاقة للسبع بعد انتقالها إلى ملّاكها الجدد، إلى البصرة التي كانت تشكل بداية الموسم لسفن أهل عمان حيث يقومون بتحميل شحنتهم السابقة من خشب الكندل التي جلبوها من أفريقيا في موانئ الخليج وهم في طريقهم إلى شط العرب، ويحمّلون بضائع جديدة أبرزها التمور العراقية، ومنها انطلقت في رحلاتها المختلفة إلى موانئ اليمن والهند وشرقي أفريقيا.
أما آخر رحلة قامت بها السفينة (السبع) فقد كانت إلى البصرة، ومنها إلى خور ميان أو ما يطلق عليه (بور بندر) في ولاية كوجرات الهندية، حيث تم تحميلها بالملح، ومنها إلى زنجبار حيث تم إفراغ حمولة شحنة الملح، ثم إلى (لاموه) على الساحل الكيني حيث تم تحميل شحنة من حطب الكندل، قبل الوصول إلى صور حيث نهاية المطاف، وهنا قرّر مالكها إعادة إعمارها من جديد نظرًا لقدمها وتهالك أخشابها، وتطلّب الأمر رسوّها في الخور وشراء سفينة جديدة من أجل تعويض (السبع) في مرحلة إعادة تأهيلها، حيث تم تكليف النوخذا علي بن محمد الخيّال العلوي بالذهاب إلى الكويت لشراء سفينة من نوع (البوم) حيث كان النواخذة الكويتيون يعرض سفنهم وأغلبها من نوع البوم للبيع بسبب النهضة الحديثة التي شهدتها الكويت وقتها، وبالفعل تم شراء البوم (النايف) من جزيرة فيلكا.
وكانت “أثير” قد تناولت قصة غرق السفينة (النايف) في تقريرٍ سابق تحت عنوان (بعد (60) عامًا من جنوحها على ساحل بحر العرب: ما قصة عودة صارية السفينة “النايف”؟).
وكانت معظم رحلات السفينة تكون ما بين البصرة والهند وأفريقيا في اختراق للمحيط الهندي، ونادرًا ما تتوقف في ميناء صور أثناء تلك الرحلات الطويلة، فكانت تحمل التمور من البصرة إلى موانئ الهند، ومنها تحمل الكبريل (القرميد) من الهند إلى شرقي أفريقيا، أي إنها تعمل طوال الموسم الذي كان يمتد أحيانًا لحوالي ثمانية أشهر متواصلة.
نهاية أليمة..
وعلى الرغم من رغبة مالك السفينة الشيخ عبدالله بن محمد العلوي في إعادة تأهيل السفينة إلا أن السفينة ظلّت راسية في خور البطح كمنارة شاهدة على تاريخ طويل من صراع أهل عمان بشكلٍ عام، وصور بشكلٍ خاص مع البحر ومواجهة أهواله في سبيل لقمة العيش، إلى أن تم تشتير (تقطيع) خشبها واستخدامها في أغراض أخرى مختلفة، ولعل من بين أسباب ذلك هو قلّة عدد البحّارة المؤهلين للعمل في السفينة في ظل ضخامتها التي تتطلب عددًا لا يقل عن (25) بحّارًا، وهجرة العديد من البحّارة إلى بعض مدن الخليج التي شهدت طفرة اقتصادية حديثة بعد ظهور النفط. وبذلك تكون انتهت حكاية سفينة ظلّت ذكراها راسخة في أذهان وقلوب الكثيرين ممّن عايشها وكان شاهدًا على أمجادها.
صاحب السفينة
أما صاحب السفينة (السبع) الذي آلت إليه ملكيتها منذ حوالي عام 1940، فهو الشيخ عبد الله بن محمد بن خلفان بن راشد العلوي إحدى الشخصيات الصورية البارزة في المجال السياسي والاقتصادي خلال القرن العشرين. امتلك عددًا من السفن الشراعية من بينها: الناصري، السبع، النايف، كما ربطته علاقة وطيده مع العديد من الشخصيات البارزة في عهده مثل السلطان تيمور بن فيصل، وابنه السلطان سعيد بن تيمور، والسلطان خليفة بن حارب، وشيوخ آل حمودة، والشيخ سليمان بن حمير، وغيرهم من الشخصيات السياسية، كما جمعته علاقات عمل وشراكة مع شخصيات اقتصادية بارزة من بينهم آسرة الصقر في الكويت والبصرة، والتاجر المعروف موسى عبد الرحمن حسن، وغيرهم. وقد وجدت له مراسلات عديدة تبيّن مكانته المجتمعية الكبيرة منذ حقبة الثلاثينيات الميلادية وحتى وفاته مطلع السبعينيات من القرن العشرين.
المراجع
- برنامج الذاكرة الصورية. لقاء مع المجدّمي جمعه بن خميس العلوي، قناة الصواري (يوتيوب).
- - صفحة الشيخ عبد الله بن محمد العلوي على موقع التواصل الإجتماعي (الفيس بوك)
- - العريمي، ربيع بن عنبر. صور العمانية مهد الملاحة البحرية، 2016.
- - العلوي، طارق بن خميس. تواصل هاتفي، الأحد 19 يناير 2025.
- - العلوي، فايز. احتفال في ولاية صور بمناسبة مرور 81 عامًا على ذكرى سفينة السبع، جريدة عمان، الاثنين 24 يناير 1994.