الأولى

مقال عن سماحة الشيخ الخليلي في الجزيرة بقلم عالم من علماء الأزهر

مقتطفات من كلمة الشيخ الخليلي لطلاب العلم
سماحة الشيخ أحمد الخليلي

رصد - أثير

كتب الداعية والمحاضر والباحث الإسلامي عصام حلمي محمد تلِّيمة مقالًا في موقع الجزيرة مباشر عن سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان.

وجاء النص المقال كالآتي:

العلّامة الشيخ أحمد الخليلي مفتي سلطنة عمان، لمدة تقترب من نصف قرن، الرجل الذي ملأ الدنيا بمواقفه المساندة لقضايا الأمة، في وقت عز فيه المجاهر بموقفه، لا يقف عطاؤه عند المواقف، بل للرجل عطاء علمي متميز، ربما لم يسلط عليه الضوء بما يكفي، بحكم انتمائه للمدرسة الإباضية، التي ربما حصره البعض فيها، رغم أن مواقف الرجل وعطاءه لا يقف عند الالتزام الفقهي الإباضي، بل يمتد ليتجاوز حدود ذلك فكرا وممارسة.

ومن حسنات أستاذنا الدكتور محمد سليم العوا، أنه طرح اسم الخليلي لشيخنا العلّامة القرضاوي، ليكون نائبا له في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وذلك عند تأسيسه، ورغم معرفة القرضاوي به، لكن التقدمة التي قدّم بها العوا الخليلي كانت تقدمة شافية وافية، تقنع كل ذي عقل وفكر بقيمة الخليلي العلمية والخلقية وقامته، حيث كان العوا في زيارة لسلطنة عمان، فقرأ فتوى على باب أحد المساجد، ممهورة بتوقيع الخليلي، يقول: فرأيت عمقا فقهيا، ولم أشتم منها أي رائحة لتعصب مذهبي، أو تشدد فقهي.

موسوعة عقدية رغم تضلعه الفقهي:

اشتهر الخليلي بالفتوى، وغلب عليه ذلك، لكن هناك جانبا من العطاء الفكري للشيخ، لم يبرز وهو جانب جدير بالدراسة والتأمل، وأعتقد أنه جدير بدراسات أكاديمية عن الجانب الفقهي والعقدي، ففي مشروعيه تفاصيل مهمة، جديرة بذلك، ومن هذا الجانب الخفي في عطاء الرجل، موسوعته: (برهان الحق)، التي تقع في (16) مجلدا، وهي دراسة معمقة في تأصيل العقيدة الإسلامية، ودرء الشبه عنها، بالأدلة العقلية والنقلية.

تناولت الموسوعة محاور العقيدة وأركان الإيمان، بما تحويه من تفاصيل، بداية بالإيمان بالله، والتدليل على ذلك من خطاب القرآن الكريم، وخطاب العقل، لإثبات وجود الله، وأسمائه وصفاته، ثم ما يلي ذلك من أركان، كالإيمان بالملائكة، والإيمان بالرسل جميعا، انتهاء بخاتمهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان بالكتب السماوية، وخاتمها والمهيمن عليها جميعا: القرآن الكريم، والإيمان بالقضاء والقدر، واليوم الآخر، وكل ما يتعلق بالإيمان بالغيب.

مزايا الموسوعة:

امتازت موسوعة الخليلي، بميزات عدة مهمة، تنم عن عمق شخصيته العلمية والبحثية، فاطلاعه على التراث العقدي في المذاهب الإسلامية كبير ومنصف، وعرضه لأدلة كل فريق في القضية المختلف فيها، يتضح منه ذلك، فإسهابه في عرض كل دليل لكل رأي، ومناقشة كل دليل، رغم قناعته وترجيحه لرأي معين، لكن الإنصاف واضح جدا، مع استيعاب كبير لأدلة كل فريق، سواء اتفقنا معه أو اختلفنا في بعض ترجيحاته، التي تنطلق من قناعته بمذهب الإباضي في هذه المسائل، لكنه يعرض كل ذلك في غير تعصب.

لم تغب عن الموسوعة عقلية الخليلي الفقهية والبحثية، فرغم أنها موسوعة عقدية، لكنك ترى في مباحثها، وفي طريقة الكتابة، وفي عرض الأفكار، عقلية فقيه وباحث لا تتخلف عن الحضور في كل مناسبة وموضع في الكتابة، مع حياد علمي كبير، وتسلسل في الأفكار، وتشويق في العرض، بما لا يخل بالأسلوب المعاصر، فكثير من كتب العقيدة القديمة والمعاصرة يصعب على قارئها غير المختص الفهم، ولكنه استطاع في تناوله أن يجمع بين الالتزام بالمنهج العلمي، والوصول للقارئ دون وعورة مصطلحات، أو غرابة ألفاظ وعبارات، أو إغراق في مسائل لا تمت للواقع بصلة.

ربط الإيمان بالعمل:

وعادة الكثيرين في الكتابة عن العقيدة، أنها تكون نظرية وجافة، وتنفصل عن العمل، وهو ما تجنبه العلّامة الخليلي في موسوعته، فعنصر العمل حاضر بقوة في مباحثها، ولذا جعل الجزء الأخير منها في مجلد كامل، يتحدث فيه عن التوبة إلى الله، بكل مجالات التوبة، سواء فيما يتعلق بحقوق الله، أو ما يتعلق بحقوق العباد، وهو ربط منبثق من نصوص القرآن الكريم التي تربط دوما بين العقيدة والعمل، فلا تفصل بينهما، فتجد دائما: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات}، وهو ربط مهم للعقيدة بالعمل، فللإيمان أثر في حياة الأفراد والمجتمعات، وقليل من الكتّاب في العقيدة من يحرص على هذا الربط.

أما عن لغة الخليلي في الكتابة والبحث، فلغته رصينة، فهي تصدر عن متضلع في اللغة، لا من باب الكتابة فقط، بل من الواضح أنه متمرس باللغة من حيث قواعدها، وهو ما يثبته في كتاب آخر غير موسوعته، بعنوان: (صيحة إنذار وصرخة استنفار يا أمة القرآن)، وهو كتاب يتحدث عن أخطاء الكتّاب في اللغة العربية، حديث الخبير بالنحو والصرف قواعد وممارسة.

وامتازت بسعة مصادرها وثراء مراجعها التي بلغت (1176) كتابا، وقد يكون الكتاب رسالة صغيرة، وقد يكون موسوعة من مجلدات عدة ضخمة، وإن كانت دلالة على سعة المراجع، فهي دلالة كذلك على أنها جمعت في رجوعها إلى كتب التراث والمعاصرة على حد سواء، واطلاعه على ما لدى غير المسلمين من كتابات تتعلق بالإيمان بالله، والاستدلال بها على وجوده -سبحانه وتعالى-، فرجع لعدد غير قليل من كتب الغربيين المترجمة للعربية، لينهل منها ما يطعم به النصوص القرآنية والنبوية، والتراث الإسلامي، من هذه النقول التي تؤيدها وتوضحها.

ولا يخلو عمل بشري من ملاحظات واختلافات، وهو ما يمكن لأي مختص أن يختلف فيه مع العلّامة الخليلي في بعض المباحث أو المسائل في موسوعته، وهذا أمر طبيعي، يحدث في جل الكتب، خاصة لو كانت متعرضة لقضايا خلافية، سواء في العقيدة أو الفقه، أو مجالات البحث العلمي الشرعي، التي فيها مساحتان: أولاهما: مساحة الثوابت والأصول، وثانيتهما: مساحة المتغيرات والفروع، فيكون التمسك في الأولى، والنقاش والخلاف في الثانية، وهو ما نراه دائما موضع ترحيب من الشيخ الخليلي في كل نقاش علمي نزيه، بارك الله في عمره وآثاره العلمية، ومواقفه الثابتة المناصرة للأمة وقضاياها.

Your Page Title