مسقط-أثير
إعداد: د. جواهر الهميمي، أخصائية طب أسرة
أصبح تصوير وجبات الطعام وتناولها جزءًا من حياة الكثير من البشر سواء لأسباب تسويقية أم اجتماعية أم ثقافية وحتى لأسباب دينية، لكن هل سبق أن شاهدت شخصًا يتناول كميات هائلة من الطعام أمام الكاميرا بأسلوب مبالغ فيه واستعراضي، بينما تجد نفسك منجذبًا للمشاهدة دون توقف؟
إنها ظاهرة “الموكبانغ” التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي، حيث تحول تناول الطعام من تجربة شخصية إلى عرض ترفيهي يجذب ملايين المشاهدين حول العالم. بدأت هذه الظاهرة في كوريا الجنوبية في عام 2010م، وسرعان ما انتشرت عبر يوتيوب وتيك توك، لكن خلف هذا الترفيه الماتع تكمن مخاطر صحية ونفسية واجتماعية قد تغير علاقتنا بالطعام إلى الأبد.
تأثير الموكبانغ على العادات الغذائية:
تتمحور مقاطع الموكبانغ حول تناول كميات كبيرة من الطعام، غالبًا ما تكون أطعمة سريعة وغير صحية، ما يؤثر على تفضيلات المشاهدين الغذائية، والتعرض المستمر لهذه المشاهد قد يدفع الأفراد لتفضيل الوجبات الغنية بالدهون والسكريات على حساب الخيارات الصحية، ولا يتوقف الأمر هنا، فالموكبانغ يشجع على الإفراط في الأكل، حيث يقلد المشاهدون سلوك “الموكبانغرز” في تناول كميات تفوق الحاجة، ما يزيد من مخاطر السمنة، ففي دراسة أجريت في كوريا الجنوبية عام 2024م أظهرت أن الطلاب الذكور الذين يشاهدون هذه البثوث شبه يوميًا كانوا أكثر عرضة للسمنة بنسبة 18.9%، مقارنة بـ 13.9% لمن لم يتابعوها، وهو دليل واضح على تأثيرها السلبي.
الموكبانغ واضطرابات الأكل:
تتجاوز تأثيرات الموكبانغ العادات الغذائية لتصل إلى الصحة النفسية فمقاطع الموكبانغ، بعرضها لتناول كميات مبالغ فيها من الطعام، تعزز تطبيع سلوكيات الأكل غير الصحية مثل الإفراط أو الأكل بنهم؛ ما قد يفاقم اضطرابات الأكل لدى المشاهدين المعرضين لهذه المشكلات، والأشخاص الذين يعانون من الشره المرضي أو فقدان الشهية قد يجدون في هذه المقاطع مبررًا لسلوكياتهم المضطربة، وعلى الجانب الآخر، قد يشعر من يتبعون حميات غذائية بالإشباع النفسي من المشاهدة فقط، ما يدفعهم إلى التحكم المفرط أو الإفراط الخفي في تناول الطعام، ويعقد علاقتهم بالغذاء أكثر.
تغيير الثقافة الغذائية والتأثير البيئي:
من زاوية أخرى، يهدد الموكبانغ العلاقة الطبيعية بين الإنسان والطعام، فبدلًا من أن يكون الطعام جزءًا من الثقافة والتفاعل الاجتماعي، يتحول إلى عرض استعراضي يركز على الكمية بدلا من الجودة، والسلوكيات مثل الأكل الفوضوي وإصدار الأصوات العالية قد تنتقل إلى المشاهدين؛ ما يضر بآداب الطعام التقليدية. علاوة على ذلك، يسهم الموكبانغ في هدر الطعام من خلال تحضير وجبات ضخمة لا تُستهلك بالكامل، فيبرز التناقض بين الاستهلاك المفرط والجوع في مجتمعات أخرى. كما أن الترويج للأطعمة المصنعة يزيد من البصمة الكربونية، مما يجعل لهذه الظاهرة تأثيرا سلبيًا على البيئة.
في الختام الموكبانغ ليس مجرد وسيلة ترفيه بريئة، بل ظاهرة تحمل في طياتها مخاطر صحية ونفسية وثقافية لا يمكن تجاهلها، وتستدعي منا التوقف وإعادة التفكير في استهلاك هذا المحتوى، فالطعام ليس مجرد أداة للعرض، بل عنصر أساسي للحياة يستحق الاحترام والوعي، لذلك من المعاني القيمة التي يمنحنا إياها صوم رمضان والاحتفال بالعيد هو الاهتمام بصحة البدن وحاجة الأسر المعسرة عبر زكاة الأبدان.