أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
لعلّ أحدًا من جيل الثمانينيات والتسعينيات وما قبلهما الذي سيقرأ هذا التقرير سيتذكّر تلك المنافذ الصغيرة التي كانت موجودة في العديد من أسواق ولايات سلطنة عمان المختلفة، والتي كانت تبيع عددًا من المنتجات الزراعية العمانية بأسعار مخفّضة، بالإضافة إلى تشكيلة من منتجات العصائر والألبان التي ما يزال طعم بعضها لم يفارق الذائقة.
ولعل بعضًا من أصحاب المزارع أو أبنائهم يتذكر الموظفين الذين كانوا يفدون إلى مزارعهم من أجل الاتفاق على شراء كمية جديدة من محصول تلك المزارع، أو يقدّم دعوة لحضور أحد المعارض، أو للمشاركة في ندوة أو ورشةٍ تثقيفيةٍ ما.
من سيطّلع على هذه السطور من الفئات التي أشرنا إليها سابقًا سيعرف قبل أن يكمل قراءة هذا التقرير أننا نتحدث عن الهيئة العامة لتسويق المنتجات الزراعية. تلك المؤسسة الرائدة التي أسست في عام 1981م وظلت تعمل لمدة 20 عامًا قبل أن يتم إلغاؤها وتؤول أصولها إلى وزارة المالية.
“أثير” تقترب في هذا التقرير من كواليس إنشاء تلك الهيئة، وأبرز الأنشطة التي قامت بها، وجهودها في مجال تسويق المنتجات العمانية، وتوعية المزارعين، وغيرها من الجهود التي قامت بها.
التأسيس
في عام 1980م كلّفت حكومة سلطنة عمان إحدى الشركات الهولندية العالمية بإجراء دراسة عن الأوضاع التسويقية الزراعية في البلاد في ذلك الوقت، وقد أثبتت الدراسة أن ما يقرب من ثلث المنتجات الزراعية العمانية من خضر وفواكه تتعرض للتلف بسبب عدم وجود أنظمة تسويقية فعّالة توصلها إلى مراكز الاستهلاك تحفظها بالطرق الصحية إلى حين تصريفها.
وقد كان هذا السبب من أهم العوامل التي أدت إلى إحجام المزارع عن التوسع في الزراعة وقصر إنتاجه على استهلاكه هو وعائلته، وما يبقى من إنتاجه كان يقدّم علفًا للماشية.
وقد أوصت الدراسة بضرورة إنشاء جهاز تسويقي فعّال يهدف في المقام الأول إلى تشجيع المزارع على زيادة إنتاجه من الخضروات والفواكه والمحاصيل الزراعية الأخرى، والعمل على تحسين جودة هذا الإنتاج بالأسعار الملائمة.
ولهذا السبب فقد صدر المرسوم السلطاني رقم (97/81) بإنشاء الهيئة العامة لتسويق المنتجات الزراعية.
وقد هدف إنشاء الهيئة بحسب ما ورد في المرسوم السلطاني لإنشائها إلى تحقيق الأغراض التالية بصفة أصلية: تجميع وتسويق المنتجات الزراعية المحلية التي يصدر بها قرار من مجلس الإدارة، وتصدير المنتجات الزراعية المحلية الفائضة عن حاجة السوق المحلية، واستيراد المنتجات الزراعية كلما اقتضت المصلحة العامة ذلك.
ومن أهم أهداف الهيئة العمل كحلقة وصل بين المزارعين والقطاع التجاري وذلك من خلال إيجاد شبكة تسويقية عالية الكفاءة، وإيجاد منافذ تسويقية لتصريف منتجات المزارع العماني، وتشجيعه على زراعة منتجات عالية الجودة، وتحسين الوضع التسويقي الحالي بالنسبة للمنتجات العمانية فيما يتعلق بالكم والكيف.
وقد قامت الهيئة بعد إنشائها بجهود كبيرة في مجال تسويق المنتجات الزراعية المحلية، من خلال تشجيع المزارعين على زيادة إنتاجهم، وإنشاء مراكز توزيع وتجميع ومنافذ تسويقية تغطي معظم أنحاء سلطنة عمان، وهذا الأمر حفّز المزارع على زيادة إنتاجه من المحاصيل المختلفة، وزاد إنتاج بعض هذه المحاصيل عن حاجة الاستهلاك المحلي مثل: التمور، والنارجيل، واللومي اليابس، والموز.
ونتيجة لكل هذه الجهود، فقد ازداد عدد المتعاملين من المزارعين مع الهيئة من 1500 مزارع في عام 1986م إلى أكثر من خمسة آلاف مزارع في عام 1986م.
التسويق الخارجي
أما في مجال التسويق الخارجي، فنتيجة لزيادة إنتاج بعض المحاصيل وتوفر كميات كبيرة منها وعلى الأخص أثناء المواسم، فقد قامت الهيئة بتصدير بعض هذه المنتجات عن طريق وضع خطة تصديرية من خلال الاتصال مع الملحقين التجاريين في السفارات العربية والأجنبية، ودراسة الأسواق الخارجية لتصدير المنتجات التي تتميز سلطنة عمان بإنتاجها مثل: اللبان، والموز، والنارجيل، والفيفاي وغيرها.
وحدة التصنيع الغذائي:
أنشأت الهيئة وحدة للتصنيع الغذائي تعمل في عدّة مجالات، من خلال تخليل بعض المنتجات الزراعية التي تزيد عن حاجة الاستهلاك الطازج أثناء المواسم مثل الخيار، والجزر، واللفت، والليمون، والفلفل وغيرها، بالإضافة إلى تجفيف وتعبئة بعض المنتجات الأخرى مثل اللبان، والليمون، والبصل، والثوم والفلفل.
ومن أجل التأكد من صلاحية هذه المنتجات للاستهلاك الآدمي، أنشأت الهيئة مختبرًا لفحص جودة المنتجات وإجراء التحاليل المختبرية والمجهرية لهذا الغرض.
وأنشأت الهيئة كذلك وحدة صغيرة لإنتاج العصائر والمركّزات من الطماطم والليمون، وتولت الهيئة تسويق بعض منتجات الألبان والعصائر والمشروبات المحلية التي تنتج في سلطنة عمان بالتعاون مع شركات ومؤسسات القطاع الخاص.
شبكة تسويقية
بهدف جلب منتجات عالية الجودة إلى الأسواق، وتقليل الفترة الزمنية التي يستغرقها المنتج بعد حصاده حتى يصل إلى المستهلك النهائي، فقد تم إنشاء شبكة تسويقية عالية الكفاءة تتكون من المقر الرئيس وخمسة مراكز توزيع، فالمركز الرئيس في مسقط وفروعه في كلٍ من: صلالة، وصحار، والسويق، ونزوى، وإبراء، بالإضافة إلى 13 مركزًا للتجميع في عددٍ من الولايات.
وتم إنشاء وحدة لتعبئة وإنضاج الموز في صلالة وأخرى في السويق، ومنافذ بيع للمستهلك في جميع مراكز التوزيع والتجميع بالإضافة إلى الأسواق الرئيسة وصلت إلى أكثر من (25) منفذا، بجانب وحدات بيع متنقّلة في الشاحنات المبرّدة لتصل إلى المناطق التي لا يوجد بها مراكز أو منافذ ثابتة.
عمان الخضراء
في مراكز التوزيع كان يتم تدريج المنتجات الزراعية طبقًا لمعايير الجودة الموضوعة لكل نوعٍ منها، ثم تعبأ بغرض البيع، ولتمييز المنتجات العمانية كانت الهيئة تستخدم الاسم الجاري (عمان الخضراء) على شكل علامة أو شعارٍ تجاري تم طبعه على كراتين صنعت خصيصًا لمنتجات الهيئة.
برامج توعية إرشاد
عملت الهيئة العامة لتسويق المنتجات الزراعية على تدريب وإرشاد المزارع العماني عن كيفية جني محصوله، وكذلك اتباع أفضل الوسائل لتسويقه من خلال تدريبه على الأساليب الزراعية لما بعد الحصاد مثل الفرز والتدريج والتعبئة واتباع الأساليب الصحية للنقل حتى لا يتلف المحصول أثناء هذه العمليات؛ ما يقلل من قيمته التسويقية، في جهود من الهيئة لمساعدة المزارع على زيادة دخله، بالإضافة إلى تدريب العناصر النسائية على عمليات التصنيع والتخليل والتقليل من التالف في المنتجات الزراعية.
المشاركة في المعارض الدولية
حرصت هيئة تسويق المنتجات الزراعية على المشاركة في المعارض الخارجية الدولية بهدف التعريف بالمنتجات العمانية وإمكانية فتح أسواق جديدة للتصدير. كما قامت بالتعاون مع وزارة الإعلام بإعداد فيلم تليفزيوني للتعريف بالزراعة في سلطنة عمان ومنتجاتها الزراعية، والتعريف بالهيئة ونشاطاتها، وتم عرضه في معرض برلين في عام 1987م.
ومن المعارض التي شاركت فيها الهيئة: معرض لندن في عام 1985، ومعرض دول الخليج الذي أقيم في سلطنة عمان في عام 1985، ومعرض دول الخليج الذي أقيم في أبو ظبي في ديسمبر 1986، ومعرض برلين في يناير من عام 1987.
إلغاء الهيئة
في الأول من أغسطس من عام 2001م صدر المرسوم السلطاني رقم (94/2001) القاضي بإلغاء الهيئة العامة لتسويق المنتجات الزراعية وتؤول أصولها إلى وزارة المالية، وبالتالي تنتهي قصة تجربة مهمة استمرت لحوالي 20 عامًا منذ إنشائها في عام 1981م قامت خلالها الهيئة بجهود كبيرة في سبيل تسويق المنتج الزراعي العماني ورفع كفاءته، ومساعدة المزارعين في الارتقاء بمهاراتهم، وبالتالي تعزيز إنتاجهم.
المراجع:
- جريدة عمان. عدد السبت 21 فبراير 1987.
- جريدة عمان. عدد الاثنين 23 فبراير 1987.
- جريدة عمان. عدد 6 نوفمبر 1993.
- جريدة عمان. يوليو 1995.
- مجلة التجاري. أكتوبر 1988
- مجلة التجاري. نوفمبر 1988.
- مجلة التجاري. ديسمبر 1988.
- مجلة التجاري. سبتمبر 1990.
- مجلة التجاري. يونيو 1991.
- مجلة التجاري. نوفمبر 1991.
- موقع (قانون) الإلكتروني. https://qanoon.om/
