رصد - أثير
إعداد: مـحـمـد الـعـريـمـي
يعتبر المناخ الاستوائي القاحل السائد في سلطنة عُمان اليوم من الصعب تخيله على أنه كان يومًا مغطى بالأنهار والكتل الجليدية. لكن الأدلة الجيولوجية تكشف عن حقيقة مذهلة!
في العصور القديمة، كانت هذه الأرض تشهد تقلبات مناخية هائلة، حيث كانت تتحول إلى مسرح لعمليات جليدية ضخمة، تركت وراءها آثارًا مذهلة في الصخور والأودية. وفي السطور القادمة ستستكشف تاريخ عُمان الجليدي المثير.
هل كانت عمان مغطاة بالكتل الجليدية في العصور القديمة؟
شهدت المنطقة في فترات ماضية عصرين جليديين رئيسيين منذ 600 إلى 700 مليون سنة و300 مليون سنة، حيث كانت عُمان مغطاة بالأنهار الجليدية نتيجة تحركات الكتل القارية، التي نقلت عُمان إلى موقع قريب من القطب الجنوبي حيث سادت ظروف مناخية باردة
ماذا حدث في العصر الأردوفيسي؟
في أواخر العصر الأردوفيسي قبل 450 مليون سنة، شهدت مناطق شمال أفريقيا عملية غمر جليدية واسعة، لكنها لم تمتد إلى عُمان، حيث يرى العلماء تأثيرات الجبال الجليدية في شمال السعودية مما يشير إلى محيط متجمد.
هل يرتبط العصر الجليدي القديم بعمليات الغمر الجليدي العالمية؟
يعتقد العلماء أن العصر الجليدي الأول في عُمان كان مرتبطًا بسلسلة من عمليات الغمر الجليدي التي شملت معظم الكرة الأرضية قبل 600-700 مليون سنة، ما يشير إلى فترة كانت فيها معظم الأرض مغطاة بالثلوج.
كيف أثرت الأنهار الجليدية على عُمان؟
ترك الجليد آثارًا واضحة على الصخور الكبيرة والجلاميد في عُمان، حيث قطعت الأنهار الجليدية الأودية واخترقت باطن الأرض، مما يظهر في المسوحات الزلزالية للطبقات التحتية العميقة.
هل كان هناك بحيرة جليدية تحت الربع الخالي؟
يعتقد العلماء أن المياه الذائبة من الجليد شكلت بحيرة كبيرة تحت حوض الربع الخالي، وتم تحديد حدود هذه البحيرة عبر الآبار النفطية في وسط المملكة العربية السعودية.
كيف كانت عُمان على خطوط العرض في العصور القديمة؟
خلال أواخر العصر الكربوني، كانت عمان تقع جنوب خط الاستواء بالقرب من القطب الجنوبي، مما جعلها تشهد العديد من عمليات الغمر الجليدي المتعاقبة.

كيف تغير موقع عمان الجغرافي على مر العصور؟
تغيرت مواقع القارات بشكل مستمر نتيجة انجراف الصفائح القارية، حيث كشفت الدراسات أن عُمان كانت في مناطق مختلفة من الكرة الأرضية بحسب سجل الرواسب، بين المناخ البارد والمناخ الاستوائي عبر العصور.
مخلفات العصور الجليدية
يحتوي رصيف عين الهندي الجليدي في منطقة الحقف على أخاديد يبلغ عمق الواحد منها أكثر من متر، حفرتها الجلاميد التي حملتها الأنهار الجليدية

حمل النهر الجليدي الذي شق طريقه عبر رصيف وادي الخلاطة، الجلاميد والحصباء التي أثرت بدورها في الرصيف، حيث حفرت هذه الأخاديد البارزة على السطح

طبقات الرمال المتعارضة التطبق والمصنفة جيدًا تعلو جلاميد الطمي الجليدي غير المصنف، وتدل طبقات الرمال هذه على أن أحد الجداول التي تكونت بفعل ذوبان الأنهار الجليدية قد تدفق في هذا المكان في وقت ما وفصل حبيبات الرمال عن الطمي مكونًا منها رواسب رملية نهرية في مقدمة النهر الجليدي

منذ 300 مليون سنة، تركت الأنهار الجليدية بصماتها على هذه الجلاميد المحززة في وادي الخلاطة، ويمكن مقارنة هذه البصمات والآثار بمثيلاتها التي تخلفها الأنهار الجليدية بآيسلندا في العصر الحاضر.


رواسب دقيقة ترسبت من مياه، ربما بحرية، كانت تسيل ببطء شديد، ولا يمكن أن يكون الجص الكبير قد جاء أو انتقل من خلال هذه المياه الهادئة، ولا بد أنه انتقل من خلال وسيلة أخرى، وعادة ما تعلق الجلاميد والجص بين ثنايا الجبال الجليدية العائمة ثم تعود وتتساقط مرة أخرى بعد ذوبان هذه الجبال، وتتراكم على المواد الرسوبية الرقيقة وتحدث اضطرابات وتشوشًا في الطبقات

عينة جوفية مأخوذة من البئر مرمول 120، تحتوي على حصباء ورمال جليدية قديمة عبارة عن رواسب ترسبت من الطبقة الصخرية التحتية لمجموعة متباينة من الصخور، ثم انتقلت مع الأنهار الجليدية

شكل نمطي للطمي الجليدي بوادي الخلاطة، ويحوي مختلف أنواع الجلاميد والجص ذات الزوايا والأشكال الدائرية والمطمورة في الطمي والرمال

تحتوي رواسب تكوين مستل المنتمي إلى العصر قبل الكمبري قبل نحو 600 إلى 700 مليون سنة على نماذج جيدة من الطمي الجليدي في وادي السحتن والجلاميد الصخرية في وادي الهجير.


تسمى هذه الطبقات الرسوبية في الحجر الصلصالي برحب " الرقائق الحولية أو الموسمية”، وقد ترسبت بالقرب من أحد الأنهار الجليدية في إحدى البحيرات وتعكس الاختلاف في ذوبان الجليد من موسم إلى آخر، ويشير وجود كمية ضئيلة من الصخور الهابطة إلى أن الطبقات الترسبية تكونت تحت صفيحة من الثلج الطافي ربما على مسافة من وادي جليدي.

جلاميد وصلصال تكوين مستل في حوض الغبرة في سلسلة الجبل الأخضر قد كونت سلسلة سميكة من الطبقات الرسوبية مما يمثل تكرار عمليات الغمر الجليدي، وترسبت هذه الطبقات أصلا بشكل أفقي.

مصدر المعلومات والصور: كتاب ”تراث عُمان الجيولوجي“، الذي أصدرته شركة تنمية نفط عمان، ويتضمن صورًا وأشكالًا توضيحية لجميع المفارقات والمناظر العامة في سلطنة عمان مشفوعة بمادة علمية قيمة وشيقة عن الصخور بكافة أنواعها والأحافير المختلفة والنفوط الكامنة في باطن الأرض وأحجار الجيود بمختلف أشكالها البلورية والمراحل والتطورات التي شهدتها جيولوجية عمان على مدى الأحقاب والأزمان، ويحوي الكتاب 9 فصول و 274 صفحة، وأهديت الطبعة الأولى منه للسلطان قابوس بن سعيد - طيّب الله ثراه-.