العمانية-أثير
أكدت دراسة جديدة أصدرها مجلس الخليج للدراسات والبحوث ومقره الكويت أن الوظائف المرتبطة بالمواهب والمهارات والخبرات التقنية والكفاءات النادرة فقط من ستصمد أمام موجة تغيرات قد تقلب موازين سوق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19 تتبعها موجة تسريحات غير مستبعدة للعمالة والموظفين خاصة من الوافدين .
وقالت الدراسة الذي نشرها المركز على موقعه الإلكتروني إن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومؤسساتها قد تستغني مؤقتا وتدريجيا عن عشرات الآلاف من الأيدي العاملة الوافدة على المدى القريب في حال تعمق الركود الاقتصادي العالمي وتباطؤ التعافي واستقرار أسعار النفط دون 40 دولارا إلى نهاية 2022 اذ أن قدرة حكومات الخليج على استيعاب
ارتدادات صدمة تراجع الإيرادات الحادة من النفط والغاز والسياحة والاستثمار قد تتأثر– بشكل متفاوت- على الرغم من ملاءتها المالية الجيدة على المدى المتوسط.
وأضاف المركز أن هذه الارتدادات لا يمكن تداركها إذا لم تتضاعف فعليا وتيرة تنويع اقتصادات الخليج مع ضرورة تقليص الانفاق الحكومي الضخم والاستغناء تدريجيًا عن الاعتماد على منظومة العمل التقليدية وخاصة العمل لقاء الراتب للتحول بالضرورة في الأمد القريب الى نظام العمل المشترط بشكل حازم وصارم لمعايير الأداء والكفاءة.
وذكر أنه حسب تقديراته فإن التوقف الجزئي لازدهار الأعمال والبناء وانخفاض حجم التجارة في دول مجلس التعاون الخليجي جراء جائحة فيروس كوفيد-19 يقود الى إلغاء نسبة كبيرة من المشاريع في القطاعين العام والخاص مع فقدان آلاف الوظائف يوميًا حيث من المرجح أن يتضرر أكثر من 40 بالمائة من العمال في دول المنطقة مقارنة بحجم الضرر المترتب عن الأزمة المالية العالمية 2008.
ووضح أنه من غير المستبعد رصد تخفيضات للرواتب واسعة الانتشار للوافدين على المدى القريب نتيجة تقشف موجع بسبب انكماش النمو في القطاعين العام والخاص جراء طول مدة انتشار الفيروس في دول الخليج فضلا عن احتمال توقف منح العلاوات والفوائد والامتيازات مضيفا أنه نظرا لأن تبعات أزمة كورونا أعمق من الأزمة المالية العالمية فقد يدفع تأخر مرحلة التعافي نسبة من العمال الأجانب للمغادرة بأعداد كبيرة في ظل زيادة متوقعة لنسبة فقدان الفرص الوظيفية المتاحة للوافدين.
وقال انه على صعيد آخر فان انخفاض أسعار النفط، وتراجع الإيرادات وتدني نسب تحقيق فوائض مالية، تعتبر تراكمات قد تنعكس سلبا أيضا على تقلّص توفير فرص العمل وإنجاز مشاريع جديدة في الخليج، وهو ما قد ينذر بموجة تسريحات محتملة لليد العاملة والموظفين وزيادة مغادرة الوافدين مقابل تشجيع توطين الوظائف لفائدة الخليجيين على حساب العمال الأجانب البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة.
وأشار إلى أن دول الخليج العربية باتت محتاجة الى زيادة نسب تأهيل عمالتها الوطنية لتعوض أكبر نسبة ممكنة من الأيدي العاملة الوافدة خاصة في الإدارة في القطاعين العام والخاص وقطاع التعليم والمجالات القانونية والشؤون الدينية والجمعيات، فضلا عن توقع مراجعة شاملة وضرورية لمنظومة سوق العمل، وربطه بانتداب الكفاءات خاصة في المجال الاستشاري والفني والعلمي أو اليد العاملة الضرورية في قطاعات تشغيلية وأصحاب الحرف، وقد تكون الوظائف الفنية والخدمية والكفاءات النادرة هي الأقل تضررًا بموجة التسريحات المتوقعة في جل أسواق العمل بدول مجلس التعاون الخليجي.
وأكد أن دول الخليج مقبلة على الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي بدافع الاستفادة من دروس وباء كورونا، فقد تختفي وظائف وسيطة خاصة فيما يتعلق بأعمال السكرتارية والخدمات الادارية والتجارية البسيطة والتي سيتم الاستغناء عنها بزيادة “رقمنة” الإدارة والمعاملات ورفع نسبة التجارة الالكترونية والتحول نحو مكننة الخدمات عن بعد، وتعزيز التعويل على الآلة بدل الانسان بواسطة طفرة الذكاء الاصطناعي.
وأضاف أنه قد لا تتاح مستقبلًا للمهاجر غير الموهوب الى هذه الدول أي فرصة لصنع ثروة في ظل توقعات بزيادة أعداد المغادرين لبلدان الخليج على المدى القريب والمتوسط، في مقابل زيادة استقطاب الموهوبين فقط ضمن خطط خليجية متباينة ستعتمد أكثر على تقييم أداء الفرد مواطنا أو مقيما حسب القيمة المضافة المترتبة عن دوره في المجتمع أسوة
بمجتمعات الدول المتقدمة اذ قد تصبح الإقامة في دول مجلس التعاون مستقبلا مرتبطة أكثر بقدرة الأداء والإبداع والتميز أكثر من مجرد مزاولة وظيفة.
وشدد على أن تأخير حل مشكلة خلل التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد يفاقم كلفة علاج الاختلالات المترتبة عن وباء كوفيد-19 خاصة فيما يتعلق باستنزاف النظم الصحية والاجتماعية والتعليمية إذ من المرجح أن تزيد كلفة الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية مؤكدا أن الاستفادة بمثل هذه الخدمات مرشحة في مرحلة لاحقة لزيادة اعتمادها على معايير أكثر انتقائية في بعض دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ما قد يمثل عبئا إضافيا على كلفة الحياة للمغتربين في البلدان الخليجية ونتيجة لذلك قد يجد بعض الوافدين أنفسهم أمام خيارين وهي إما تحمل زيادة أعباء تكاليف الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية مستقبلا أو مغادرة البلاد الأمر الذي يقود على المدى المتوسط الى تغير ثقافة وأهداف الهجرة الى دول الخليج لتتحول من هجرة اندماج الى هجرة انتقائية مؤقتة.
وأشار المركز إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي قد استقطبت على العقدين الماضيين خاصة مع صعود أسعار النفط أعدادا كبيرة من الأيدي العاملة الوافدة سيما في مجال الخدمات والانشاءات والإدارة وبات جزء من الوافدين يشكل اليوم فائضا عن الحاجة الحقيقية لسوق العمل، وعبئا على اقتصادات دول الخليج واشكالية تربك التركيبة السكانية خاصة من قدموا لأسواق العمل الخليجية دون كفاءة أو من يزاولون أعمالا في الاقتصاد الموازي والهامشي غير المنظم كالأعمال الحرة واليومية أو غير القانونية.
وقال إنه من المتوقع أن يزيد الطلب على الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية من المواطنين والوافدين في المرحلة المقبلة، ومالم تتعاف بسرعة وتيرة نمو الاقتصاد وتستقطب أكثر عدد ممكن من العاملين غير النشطين فقد تصبح نسبة كبيرة من الأيدي العاملة الوافدة غير المنتجة تواجه زيادة مخاطر الدخول في دائرة (الفقر الوقتي) لترتفع بذلك نسبة الضغوط على الخدمات الحكومية المقدمة لنسبة من الوافدين دون انتظار قيمة مضافة عن دورهم في سوق العمل، كما قد يصبح المتقاعدون الوافدون والمستمرون في الإقامة في دول الخليج عرضة لزيادة تقنين اقامتهم في عدد من دول مجلس التعاون سعيًا إلى تقليص الطلب على الخدمات الصحية والاجتماعية وأيضا من اجل تقليص أكثر ما يمكن شريحة الوافدين غير النشطين.
وذكر أن التوقعات ترجح أيضا أن تشكل نسبة من الأيدي العاملة الوافدة على المدى القريب فائضا في العرض في أسواق العمل مقابل استشراف تراجع الطلب الى نهاية 2022 على اليد العاملة (الماهرة أو غير الماهرة)، خاصة في قطاعات من المرجح أن يتباطأ تعافيها من تداعيات الجائحة أبرزها الخدمات والإنشاءات والسياحة والسفر بالإضافة الى تراجع متوقع للطلب على الموظفين الإداريين من غير المواطنين في الدوائر الحكومية، حيث إن خطط التقشف الخليجية تستشرف زيادة تقليص الانفاق العام والخاص، وقد يكون الاستغناء عن خدمات جزء من الوافدين في الوظائف غير الحيوية أول ترجمة لمخططات التقشف المستقبلية ما عدا السوق القطرية، التي قد تبقى سوقا واعدة بدافع استكمال المشاريع المرتبطة بتنظيم فعاليات كأس العالم لكرة القدم في 2022.
ووضح أن تراجع النمو الاقتصادي وتسببه المحتمل في تراجع التنمية وبطء حركة المشاريع، قد يسرع زيادة وتيرة الاستغناء عن جزء من اليد العاملة على المدى القريب ما سينعكس حتما على تراجع جاذبية أسواق العمل الخليجية التي قد تضطر بموجب علاج تداعيات الركود الاقتصادي الذي سببه الوباء الى التشدد في الانفاق على فترات طويلة والتقليص منه أكثر ما يمكن وصولًا الى درجة الغاء بعض الامتيازات الوظيفية فضلا عن فرض رسوم وضرائب وهو ما قد يتسبب في موجة هجرة للموظفين من هذه الدول خاصة من أصحاب الكفاءات مبينا أن ذلك يعد بين التحديات التي قد تؤثر على استمرارية جودة العمل في دول الخليج.
وتوقع للوظائف التي لا تحتاج لمؤهل تقني أو شهادة خبرة والتي تستقطب عشرات الآلاف من الوافدين سنويا أن يتقلص الطلب عليها بشكل حاد خلال السنوات المقبلة، ويتم الاكتفاء بانتداب العمالة في الأسواق المحلية، وقد يكون إعادة تأهيل كثيرين منهم ممن تثبت حسن سيرتهم وسلوكهم واحترامهم للقوانين في البلاد وتمكينهم من فرص وظيفية أخرى تتناسب مع حاجيات السوق أفضل من استيراد عمالة من الخارج، وتحمل تكلفة باهظة في إيواء آلاف الوافدين بدون عمل وقد تكون مسألة ترحيلهم تصطدم بكثير من التعقيدات الإنسانية والقانونية وهو ما قد يحرج دول الخليج أمام المنظمات الحقوقية في حال اللجوء الى الترحيل القسري والعشوائي.
وذكر أن الطلب على العمالة المنزلية قد يتقلص حيث من المتوقع زيادة الضغوط على دخل الفرد والأسر الخليجية خلال المرحلة المقبلة في حال بقيت الايرادات الحكومية منخفضة واستمر تدني سعر النفط وبطء وتيرة تنويع الاقتصاد كما ستزيد الرقابة على مكاتب توريد الايدي العاملة ما قد يقلص من استقطاب الأيدي العاملة الهامشية الى الأسواق.
وأكد أنه في ظل التوقعات بشأن نسب التضخم والركود في الاقتصادات الخليجية قد يضغط ذلك على تكلفة المعيشة ويقلص من الفرص الوظيفية للوافدين ما يجعل عددا كبيرًا من الأيدي العاملة الأجنبية تختار طواعية ترك سوق العمل للبحث عن فرص أخرى أو العودة الى دولهم وقد تكون السياحة والسفر أكثر القطاعات التي قد تشهد النسبة الأكبر لتسريحات للموظفين على المدى القريب الى حين التعافي التدريجي الذي قد يمتد لسنتين على الأقل.