د. نسيمة بنت محمد بن سعيد المشيخية، مشرف أول بوزارة التربية والتعليم
مع بدء الكثير من الدول حملات التطعيم ضد فيروس «كورونا» المستجد، تسود حالة من القلق بين الكثير من المواطنين من مدى فاعلية وسلامة هذه اللقاحات وسط الشائعات والخرافات المنتشرة حولها.
والجدير بالذكر بدأت وزارتا الصحة والتربية والتعليم في السلطنة، حملة تطعيم طلبة المدارس من الفئة العمرية 12 سنة وما فوق في جميع محافظات السلطنة باللقاح المُضاد لفيروس كورونا، ومن التوقعات الرسمية تشير إلى وصول السلطنة للمناعة المجتمعية ضد فيروس كورونا المستجد (كوفيد -19) بنهاية أكتوبر المقبل وأن هذه التوقعات مبنية على “تحصين جميع الفئات المستهدفة بجرعتين وفقاً للوتيرة الحالية للتطعيم”.
وفي هذا السياق، وفي ظل بذل دول العالم جهود مضنية لتطعيم وتلقيح مواطنيها، ومواجهة أزمة كورونا وتحصين البشرية، هناك حرب شائعات ممنهجة ضد اللقاحات، لدرجة أن العالم أصبح أمام زخم وكم كبير من الأخبار المقلقة بل أمام خرافات لا أساس لها ولا سند، تحاصر سكانه وبخاصة بين مواقع التواصل الاجتماعي وأحاديث الشوارع حول مأمونية هذه اللقاحات من جهة، وسرد قصص تشبه الخيال مبنية على نظريات التآمر والمؤامرة، والتي دعت منظمة الصحة العالمية وخبراء طبيين إلى الخروج والتأكيد مرارا وتكرارا على كذب هذه الادعاءات وأن ليس هناك أي سند علمي لهذه المعلومات، وأن ما يحدث ما هو إلا حرب ممنهجة يستخدم فيها سلاح الشائعات والتضليل.
وفي ظل الانتشار الواسع لهذه الشائعات يتردد الآباء في إعطاء الأطفال من سن 12 عاما لقاح كورونا (كوفيد-19)، رغم أن إجازة لقاح “كوفيد-19″ للمراهقين من قبل الشركات المصنعة لهذه اللقاحات ومن قبل المؤسسات الصحية العالمية تعني أن التجارب السريرية تظهر أن هذا اللقاح آمن وفعال للأبناء في هذه الفئة العمرية، وقد شرعت الدول الكبرى كالولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وغيرها في إعطاء اللقاح بالفعل للأطفال من سن 12 إلى 15 سنة.
ومن الناحية العلمية، سنجد أن التعرض للإصابة بالفيروس قد تنتج عنه، آثار جانبية قد تضر بالرئة والذاكرة وربما تسبب الوفاة لدى الأطفال، إضافة إلى تأثر الصحة النفسية للمراهقين والأطفال نتيجة حرمانهم من حياتهم التي اعتادوها وأحبوها فضلا عن إدمان الإلكترونيات وتراجع مستويات التحصيل الدراسي.
ووفق الإحصائيات الرسمية التي نشرتها “نيويورك تايمز” التي تشير إلى أن 22 مليون طفل امريكي تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا أصيبوا بفيروس كورونا، وهو ما يمثل 19٪ من جميع الإصابات، وتسجل أعلى نسبة وفيات للأطفال المصابين بكورونا عالميا في إندونيسيا وهو ما نسبته 12٪، وحول ما نشرتها بأن الفيروس أودى بحياة 2200 طفل تحت سن الـ5 أعوام و أكثر من 1600 طفل رضيع عمره أقل من عام واحد في البرازيل، أصبح من الواضح أن المراهقين والأطفال هم مصدر انتشار فيروس كورونا ويشكلون نسبة أكبر من العدوى، فالامتناع عن تلقي لقاح “كوفيد-19” يعني في أسوأ الأحوال أن أولياء الامور ربما يفضلون احتمال التعرض لبعض الأعراض الخطرة المؤكدة للإصابة بالفيروس على الأعراض التي يتخوفون منها وغير المثبتة وغير المتوقعة للقاح “كوفيد-19″، وهذا أمر غير منطقي .
واللافت للانتباه أن أولياء الأمور يلتزمون بمواعيد جميع التطعيمات الخاصة بالأطفال منذ اليوم الأول للولادة، ومنها تطعيم الالتهاب الكبدي، وتطعيم شلل الأطفال، والحصبة الألمانية والجدري المائي، وكذلك يحرص البعض على إعطاء أبنائهم تطعيم الإنفلونزا الموسمية كل عام، لكن هذا لم يحدث مع لقاح “كوفيد-19” بسبب الدور الذي أدّته وسائل التواصل الاجتماعي في نشر معلومات خاطئة غير قائمة على أساس علمي وتهويل الآثار الجانبية وتخويف الناس من أخذ اللقاح.
والمتتبع لتاريخ صناعة اللقاحات يجد أن منذ بداية فهم العلماء لفكرة اللقاحات التي يمكن أن تقي من انتشار الأمراض الخطرة كان هناك دائما حركة (لا للتطعيم) مناهضة للحصول على التطعيمات، فحينما لاحظ الطبيب الإنجليزي “إدوارد جينر” في عام 1798 أن الخادمات اللاتي يصبن بمرض جدري البقر تمت حمايتهن من تفشي الجدري الأكثر خطورة، بدأ بإجراء التجارب وتعمد إصابة الناس بجدري البقر، على أمل منحهم مناعة من الجدري، وعلى الرغم من قيام “جينر” بتلقيح أطفال من أسرته لإثبات نظريته في التحصين فإن الناس لم يفهموا في ذلك الوقت وجود سبب منطقي حقيقي لتلقيح طفل ولماذا يمنع ذلك المرض، إلا أنه بعد نحو 6 عقود من تجارب “جينر” الأولى، أقرّت الحكومة البريطانية أول سلسلة من القوانين التي تجعل التطعيم إلزاميا، ونشأت على الفور جمعيات مناهضة للتلقيح، وقام الناس بأعمال شغب وانتشرت المعارضة على مستوى العالم، وحينما اخترع الأطباء لقاحا يقي من شلل الأطفال الفتاك في خمسينيات القرن الماضي، بدأ الناس يشيدون بالتطعيم لأنهم كانوا يعانون بالفعل من شلل الأطفال. وفي عام 1960 عندما أُنتجت لقاحات لمرض الحصبة كان الناس أقل اهتماما لأنهم اعتادوا العيش مع الحصبة ولم يروا أنها مرض خطر، وكانت حركة مناهضة التطعيم قوية جدا، وفي الثمانينيات ازدهرت حركة مناهضة التطعيم أيضا في أعقاب الجدل بشأن السعال الديكي، فعند مواجهة عدوى شرسة لا يوجد شيء فعال مثل اللقاح لحماية الجميع، صغارا وكبارا، هذا ما أثبتته الانتصارات التاريخية للصحة العامة.
ورغم تخوف البعض من تلقيح صغارهم ضد “كوفيد-19″، نصح الخبراء الأهالي بالنظر إلى المزايا التي تعود على الأطفال من التطعيم ضد الفيروس وهي :
• يقي من الإصابة بكوفيد 19 أو من الإصابة بمرض خطير أو الوفاة بسبب كوفيد 19.
• يمنع من نقل فيروس كوفيد 19 للآخرين.
• يزيد عدد أفراد المجتمع المحصّنين من الإصابة بكوفيد 19 – مما يُبطء انتشار المرض ويسهم في المناعة الجماعية (ما يُسمى مناعة القطيع).
• مَنْع فيروس كوفيد 19 من الانتشار والتناسُخ، وهما العمليتان اللتان تسمحان له بتكوين طفرة قد تكون أقدر على مقاومة اللقاحات.
وختاما، نقول: إن العالم أصبح الآن أمام حقيقة لا خلاف عليها، وهي أن اللقاح هو الحل الوحيد لمواجهة كوفيد 19 ، وأن هذه الشائعات إذ لم يتم التصدى لها، نظرًا لما تحويه من معلومات مغلوطة ستصبح عائقا أمام كل إنجاز، بل ستعمل على زيادة حالة التردد في الحصول على اللقاح، لذا فإن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع دولةً وأفرادا القيام بحملات لتوعية الرأي العام، وتزويد الجمهور بالمعلومات الصحيحة فى الوقت المناسب، بما يؤدي إلى الحد من انتشار هذه الشائعات ومواجهتها، والتشجيع على التطعيم باعتباره طوق النجاة الوحيد من هذا الفيروس؛ ” فتلقيح الجميع أكثر أمانا للجميع”.