أثيريات

كيف يؤسس التعليم ثقافة إدارة المشاريع الاحترافية في مخرجاته؟

كيف يؤسس التعليم ثقافة إدارة المشاريع الاحترافية في مخرجاته؟
كيف يؤسس التعليم ثقافة إدارة المشاريع الاحترافية في مخرجاته؟ كيف يؤسس التعليم ثقافة إدارة المشاريع الاحترافية في مخرجاته؟

أثير- د. رجب بن علي العويسي، خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة

لمّا كان التعليم يمثّل أهم القطاعات الاستثمارية في رؤية عمان 2040 لارتباطه بالبحث العلمي والابتكار وريادة الأعمال والهوية والقيم وبناء الانسان، وهي ممكنات تصنع للتعليم حضورا في عالم الاقتصاد الواسع، لذلك جاءت التوجيهات السامية لجلالة السلطان المعظم نحو ضرورة الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحليل الاحتياجات والمتطلبات الضرورية لتطبيق التعليم التقني والمهني في التعليم ما بعد الأساسي بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته المستقبلية، وأهمية تبني منهجية متكاملة لآلية تطبيق ذلك وتحديد الخبرات والموارد البشرية اللازمة في هذا الشأن، وإعداد خطة تنفيذية متكاملة لتطوير قطاع التعليم بالتعاون مع بعض المؤسسات الدولية، وباستكمال إعداد مسار التعليم التقني ضمن مخرجات التعليم العام ومواءمة مخرجات التعليم العام (المسار التقني) مع برامج التعليم والتدريب المهني.

وبالتالي فإن المؤمل من التعليم دورا محويا في تعزيز الجهود الوطنية الساعية لتعزيز فرص التنويع الاقتصادي، والاستثمار في الكفاءات البشرية، وتوفير الفرص التعليمية والتدريبية والبحثية المعززة لبنية الاقتصاد وتجسيدها في ثقافة وفكر ومهارات مخرجات التعليم، وتوفير خيارات التعليم عالي الجودة لاستقطاب الكفاءات وإنتاج القدرات الداعمة لعوامل الإنتاج، والتي ترفد سوق العمل بالمخرجات المساهمة في تنشيط الحركة الاقتصادية في المدن الاقتصادية الحرة، وتضع أمام الشركات ومؤسسات القطاع الخاص خيارات تعليمية متعددة في التثمير في التعليم المهني والتقني والفني والتخصصي لضمان صقل المواهب الشابة بالمهارات، من خلال ما توفره من فرص للشباب العماني العامل ممن هم في مقاعد الدراسة أو من مخرجات التعليم من الباحثين عن عمل، واسهامه عبر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في خلق حراك اقتصادي يتجه نحو بناء مشاريع اقتصادية منتجه، تعزز من الصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية ومراكز الخدمة والإنتاج الأخرى .

وعليه يأتي حديثنا عن إدارة المشاريع الاحترافية كجزء أساسي من معادلة بناء القوة التي يصنعها التعليم في مخرجاته، والتي باتت تشكل اليوم البعد الأهم في تحديد جودة التعليم وكفاءة وتجسيد مفهوم المواءمة في واقع العمل وتبرز مسار المنافسة الجادة في مخرجاته، وإمداد المخرجات بالمهارات الناعمة التي تعتبر إدارة المشاريع الاحترافية أحد أبرز نواتجها، ومعنى ذلك أن بناء فقه إدارة المشروع في مخرجات التعليم لم تعد ترفا فكريا أو عبئا دراسيا بقدر ما هو خيار تعليمي واستحقاق منافسة يعبر عن أنموذج متقدم في جودة التعليم وتحقيقه لمسار المواءمة، ويعكس فرص التناغم التي يعمل التعليم على تحقيقها في سبيل بناء المجتمع اقتصاديا، وأحد أبرز التوجهات التي ينبغي أن تضعها مسارات التعليم في الحسبان في ظل تزايد أعداد المخرجات وطوابير الانتظار على الوظائف، والتي يمكن الحد منها عبر ما يفتحه للمتعلمين من فضاءات المعرفة الاقتصادية وفق مسارات دراسية مقننة وأدوات مؤطرة تعزز مفاهيم الاقتصاد وإدارة المال والاستثمار ، وجعل بيئة التعليم والتعلم محطة اقتصادية مصغرة لتكوين المشروع الطلابي وإدارة مشاريع الطلبة وفرصة تبدا بها المخرجات مشوارها المهني وتشكل على مرور الوقت خيارا اقتصاديا منتجا يوفر الملاءة المالية ويعظم من فرص المنافسة ويصنع قدوات وقدرات شابة في الانتاج .

ومعنى ذلك أن تأصيل فقه إدارة المشروع الاحترافي في حياة المخرجات يجب أن يبدأ في بيئة التعليم والتعلم بصورة مبكرة، سواء من خلال ادماج المفاهيم الاقتصادية المعنية بإدارة المشاريع الاحترافية في مناهج التعليم أو عبر إيجاد مساقات تدريسية في التعليم المدرسي لتتدرج مع الطالب في مراحل التعليم الأخرى ويتعرض فيها لمواقف محاكاة للواقع تبرز على شكل إدارة مشاريع ذاتية على مستوى الاسرة والمدرسة والجامعة او الشركات المتعاونة التي عليها ان تتبنى خطة شراكة مع مؤسسات التعليم في بناء فلسفة إدارة المشروع وتعزيز الاحترافية فيه، بحيث تتم وفق استراتيجيات واضحة ومنهجيات تفاعلية متدرجة تأخذ في الحسبان مراحل بناء المشروع وآلية التفكير فيه واختياره وانتقائه وطريقة إدارته ودراسة الجدوى الاقتصادية والتبعات المالية والإجراءات المترتبة عليه وغيرها من متطلبات تأسيس ثقافة إدارة المشاريع في بيئات التعليم، بحيث تتجه نحو تأطيره في مناهج التعليم وأساليب التعلم وأنماط التدريس وثقافة المؤسسات التعليمية وفكر الممارسين التعليميين والبرامج التوعوية والاعلامية التعليمية والتثقيفية والتدريبية وأنشطة المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخر، في ظل استيعاب ما ارتبط بإدارة المشاريع الاحترافية من مهارات التسويق الذاتي والإدارة الالكترونية والدعاية والاعلان وتعظيم الاستفادة من المنصات التواصلية وغيرها من الفرص التسويقية التي هي بحاجة إلى مهارات نوعية، بما يلقي على عاتق مؤسسات التعليم إعادة رسم ملامح بناء المشروع وإدارته في أولويات الخطة الدراسة والبرنامج التعليمي.

أخيرا تبقى الإشارة إلى أن حالات التراجع والإفلاس في إدارة المشاريع لدى العديد من رواد الأعمال أو أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة وحالات الإفلاس وضعف الإدارة وتدني مستوى الترويج، يرجع إلى تدني امتلاكهم مهاراتها وقيمها ومبادئها، وضآلة الثقافة العلمية والعملية والفنية الاحترافية في إدارة المشاريع التي يتلقاها الطلبة في بيئات التعليم، أو عدم كفاية المحتوى العلمي الموجه للطلبة وبرامج الاثراء والتشخيص والمتابعة والتمكين في هذا الجانب، الامر الذي يصبح دخول الفرد فيه في هذا المجال غير مكتمل الجاهزية، وبحاجة إلى فهم أعمق ومهارات أوسع ، بما يمكن وصفه بغياب فلسفة إدارة المشروع في بيئات التعليم وتعويد المخرجات عليها، أدى إلى صورة ذهنية سالبة حول قدرة هذه المخرجات على إدارتها وتعظيم الاستفادة من المهارات الشخصية، وصناعة فرص متجددة لها، وقدرتها على تحمل مسؤولياتها والخروج من صندوق انتظار الوظيفة الحكومية أو مستوى تكيفها مع مستجدات القطاع الخاص ومتطلباتها واعتمادها على صندوق الأمان الوظيفي في حل مشكلة الملاءة لديها، فإن قدرة التعليم على توفير مسار فكري واضح ومنهج علمي رصين ومحتوى عملي مؤطر المفاهيم والمفردات والمكونات المرتبطة بإدارة المشاريع الاحترافية مع تفعيل اطر الشراكة مع مؤسسات الدعم الحكومي وهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ” ريادة” في توفير البرامج التدريبية والتأهيلية والتحفيزية وتعريف الطلبة ببرامج الدعم والحوافز المقدمة في القطاعات، والخيارات الممنوحة لصاحب المشروع في الحصول على قرنوض تمويلية وتموينية ميسرة، كل ذلك وغيره سوف يرسم ملامح مضيئة في حياة الخريج القادمة، ويحقق فرص نجاح تظهر على المدى البعيد في قدرة هذه المخرجات على امتلاك مهارات إدارة المشروعات الاحترافية.

Your Page Title