أثير-مكتب أثير في تونس
قراءة : محمد الهادي الجزيري
هي ناشطة ومثقفة تونسية / عمانية ، أتابع أنشطتها الفاعلة في الحركة الأدبية بظفّار منذ تعرفت عليها وأجريت معها حوار لفائدة ” أثير ” ، واليوم تطلع علينا كالوردة بكتاب جديد اختارت له من العناوين : ” الرقص على الشوك ” ، وبقدر سعادتي بتقديم هذا المتن القصصي ، بقدر فخري أنّ من أقدّمها وأخوض في ما كتبت ..، امرأة تطرّقت إلى مواضيع شائكة ومضامين موجعة ..، بقلم شجاع وقلب غيّور على وطنه وعلى المجتمع الذي تبّناه وحضنه ..، إنّنا في حضرة الأستاذة المربية والأديبة دلندة الزغيدي …
نقرأ في هذا الكتاب كلمة للمؤلفة وتقديمين لصديقتين للكاتبة ، ونقتطع من التقديم الأوّل هذا المقطع فهو يلّخص كائن ” دلندة الزغيدي ” من حيث نظرتها للكتابة ، وقد حبّرت هذا التقديم الأستاذة المقيمة في ظفار مفيدة جاب الله :
” لا تكتب بشكل انهياري رغم امتلاكها للغة سردية ووصفية على مستوى عال ، فخلف الكلام المطرّز المنمّق وجع تصقله الكاتبة بوعي حادّ وعين ناقدة ، لا ترضى أبدا عن واقع نخره السوس، وتجسّد ذلك بوضوح في اختيارها للشخصيات ، فهي تكتب من منظور
( الإنسان / المرأة ) دون أن يتحوّل هذا المنظور إلى الكتابات النسوية المجحفة في التطرف إلى ما يُسمّى الكتابة النسوية ”
افتتحت القصّ بجرح غائر فينا ، لا يزال حيّا موجعا ، هذا الجرح هو ” ختان البنات ” الذي يعدّ أمرا متداولا في بعض دول العالم ، من ضمنها السودان ، وعنوان القصة خير دليل على التمنّي المقرون بالآه الجريحة ، ف ” ليتني ” فيها الكثير من الحسرة والألم على ما حدث ويحدث في البنات الصغيرات من جرائم مريعة ، وتختم الكاتبة القصة استنكارا لموقف الأمّ من طفلتها الموجعة :
” لمحت تلك العنيزة السمراء وقد بُتر طرفُ إحدى قوائمها ، وشاهدتها تعرج وقد آلمها الجرح لتلتحق بالقطيع ، استغربت مريم من أنّ المعزاة لم تتخلّ عن ابنتها ، إذ أبطأت السير حتّى لا تتركها وحيدة ، فتمتمت : ( ليتني خُلقتُ عُنيزة ) ”
” حتّى إشعار آخر ” قصة تالية تطرّقت فيها دلندة الزغيدي إلى موضوع شائك لدى بعض الناس ألا وهو الحكم على الفتاة من خلال تصرّفها في لحظة حبّ ، هل يمكن الثقة فيها ، هذا ما جعل ” جمال ” يغادر بيت الزوجية بعد أن أنجب زهورا ..، وظلّت ” شيماء ” تنتظر السنين الطويلة عودته ..، وعاد حين انتهي العمر كما قال مظفّر نواب الذي استشهدت به الكاتبة في بداية السرد :
” وماذا بعد ؟
سرت في اتّجاهك العمر كلّه ،
وحين وصلتك انتهى العمر ”
نمرّ إلى قصة أخرى من هذا المتن السردي الطافح بالأفكار والمشاعر المتدفقة في شرايين الكلام المنقوش على الجسد قبل الأوراق ، هذه القصة بعنوان ” ثورة الأزرق ” ، وبقدر ثورتي على ما يحدث في بلادي ..بقدر ما أشدّ على يد هذه القاصة الموهوبة التي تطرّقت إلى موضوع حارق وهو حديث الناس هذه الساعة، ألا وهو كما نسميه بالتونسي ” حرقة ” ويعني هجرة غير شرعية عبر البحر لأنّ الشعب تعب ولا حلّ له إلا محاولة الفرار والبحث عن مورد رزق وإن كان يخاطر بحياته ، على كلّ ما شدّني في هذه القصة علوّ صوت ” مجدي ” وإن كان تحت اللحد ، وإصراره على مواصلة النضال ضدّ من باعوا الوطن ..، وتحيّة بالغة لدلندة الزغيدي على هذه الكتابة الموجعة ..فهي وإن دلّت فستدلّ على وطنية عالية وخوف مرّ على وطنها تونس …
” يتفنّن زبانية وطني في وأد الأحلام ، فلا نحيا ولا نموت ، وسيظلّ جسدي يهتزّ وإن طمرني الهمّ في الجبّ ، وستظلّ روحي تنتفض ، وسيظلّ نبضي يسري في البشر والشجر، أنا ريح صرصر، أنا غمر هدّار ، لن يكتم الردى صوتي ، سأهبّ من تحت لحدي لأقتلع جذور الفناء ”
وليس لنا سوى أن نختم هذه القراءة العاشقة لقلم يجُدّ ويتعب ولا يكلّ ولا يملّ ..، للفوز بالسكينة والإبداع ، سنختم بفقرة حميمية لتقديم كتبته ” الشاعرة الحالمة ( سهام ذكّار ) التي كانت تلميذتي في بدايتي المهنية في المعهد الثانوي بالرقبة بتطاوين ” ، هذا كلام دلندة الزغيدي ..، وهو دافئ وصادق وحميمي ..، نقرأ فقرة اقتطعناها من تقديم سهام ذكّار :
” ( الرقص على الشوك ) عمل فسيفساء تقاطعت فيه عديد الطروحات النفسية والاجتماعية والتاريخية والأيديولوجية والكونية ، لا ينفصل فيها الذاتي عن الموضوعي ، فقد تجد نفسك في كلّ أقصوصة ، وتعيش ألم الفراق مع بطلها وتقاسمه وجع الحبّ ، وتحزن لخيبته وتفرح لتألّقه وتشتعل غضبا عند ظلمه ويقطر قلبك دما إن سلبت حرّيته أو استبيحت أرضه أو أزهقت روحه “