إسلام أهل عُمان

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

 

 

قيل إن مازن بن غضوبة بن سبيعة بن شمامة بن حيان بن مر بن حيان ابن أبي بشر بن خطامة بن سعد بن نبهان بن عمرو بن الغوث بن طئ – وكان يسكن قرية سمائل -، وقيل إنه جد أولا سعد بنى علي، كان يعبد صنما يقال له ناجر. فذبح يومًا شاه وقربها إليه، فسمع صوتاً من الصنم يقول “يا مازن! اسمع تُسر!! ظهر خير وبطن شر! بعث نبي من مضر يدين بدين الله الأكبر! فدع عبادة نحت حجر، تسلم من حر سقر!”. ففزع من ذلك وقال “إن هذا لعجب” ثم ذبح قرباناً آخر، وقربه إليه، فسمع من الصنم صوتاً يقول: “يا مازن! أقبل تسمع ما لا يُجهل! هذا نبي مرسل! جاء بحق منزل! فآمن به تعدل عن حر نار تُشعل، وقودها الناس والجندل”. فقال: “إن هذا لهو العجب، وإنه لخير يُراد بي” 

فبينما هو كذلك، وإذ ورد عليه رجل من أهل الحجاز يريد دماً. فسأله “ما الخبر وراءك؟” قال: “إنه ظهر رجل يقال له محمد بن عبدالله ابن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف. ويقول من جاءه: أجيبوا داعي الله، فلست بمتكبر، ولا جبار، ولا مختال أدعوكم إلى الله، وترك عبادة الأوثان. وأبشركم بجنة عرضها السماوات والارض. وأستنقدكم من نار لا يطفئ لهيبها، ولا ينعم من سكنها” 

قال مازن “هذا والله نهاء ما سمعته من الصنم”. فشكره، وكسر الصنم جذاذا، وركب راحلته، ومضى قاصداً نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

فلما قدم عليه سأله عن ما بُعث إليه. فشرح له الإسلام، فأسلم ونور الله قلبه. ثم قال للنبي –صلى الله عليه وسلم- أدع الله لأهل عمان فقال: “اللهم اهدهم واثبتهم” فقال: “زدني يا رسول الله” فقال: ” اللهم ارزقهم العفاف والكفاف والرضى بما قدرت لهم” فقال مازن: “يا رسول الله! البحر ينضح بجانبنا، فادع الله في ميرنا وخفنا وظلفنا” فقال: اللهم وسع عليهم في ميرتهم وأكثر خيرهم في بحرهم” فقال “زدني” فقال ” اللهم لا تسلط عليهم عدواً من غيرهم” وقال لمازن “قل آمين، فإنه يستجاب عمدها الدعاء”. فقال مازن: “آمين”. ثم قال: يا رسول الله إني مولع بالطرب وشرب الخمر! لجوج بالنساء! وقد نفد أكثر مالي في هذا، وليس لي ولد. فادعو الله يذهب عني ما أجد، ويرزقني ولداً تقر به عيني، ويأتنا بالحياء” فقال عليه السلام ” اللهم أبدله بالطرب قراءة القرآن, وبالحرام حلالا، وبالعهر عفة الفرج، وبالخمر أرباً لا إثم فيه، وآتهم بالحياء، وهب له ولداً تقر به عينه”. 

قال مازن: فأذهب الله عني ما كنت أجد من الطرب، وحججت حججا وحفظت شطراً من القرآن وتزوجت أربع عقائل من العرب، ورزقت ولداً وسميته حيان بن مازن. شعراً: 

إليك رسول الله حنّت مطيتي

تجوز الفيافي من عمان إلى العرج

لتشفع لي يا خير من وطئ الثرى

فيغفر لي ذنبي فأرجع بالفلج

وكنت امرءاً بالرعف والخمر مولعاً

شبابي إلى أن أذن العمر بالنهج

إلى معشر خالفت في الله دنيهم

فلا رأيهم رأيي ولا شرجهم شرجي

فبدلني بالخمر أمناً وخشية

وبالعهر أحصاناً فأحصن لي وفرجي 

فأصبحت همى في الجهاد ونيتي 

فلله ما صومي ولله ما حجى 

ثم إنه كتب صلى الله عليه وسلم إلى أهل عمان يدعوهم إلى الإسلام. وعلى أهل الريف منهم عبد وجيفر ابنى الجلندى، وكان أبوهما الجلندى قد مات في ذلك العصر. وكان كتابه صلى الله عليه وسلم “من محمد رسول الله إلى أهل عمان، أما بعد فأصرّوا أن لا إله إلا الله، وأنى محمد رسول الله. أقيموا الصلاة، وأدوا الزكاة، واعمروا المساجد، وإلا غزوتكم”.

 

وكتب إلى عبد وجيفر “بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى جيفر وعبد ابنى الجلندى. أما بعد، فأني أدعوكما بدعاية الإسلام. أسلما تسلما. فإني رسول الله إلى الناس كافة, لأنذر من كان حياً، ويحق القول على الكافرين. فإن أسلمتما وليتكما، وإن أبيتما فإن ملككما زائل، وخيلي تطئ ساحتكما، وتظهر نبوتي على ملككما”. 

والكاتب لهذا أبيَّ بن كعب، ويملي عليه النبي صلى الله عليه وسلم. 

وطوى الصحيفة، وختمها بخاتمة، وبعث بها عمرو بن العاص، فقدم بها إلى عبد وجيفر. وأول موضع نزل بعمان دستجرد وهي مدينة بصحار بنتها العجم، فنزل بها لوقت الظهر، وبعث إلى ابنى الجلندى- وهما ببادية عمان – وأهل رأيها. فأول من لقيه عبد وهو أحكم الرجلين وأحسنهما خلقا فأوصل عمر إلى أخيه جيفر.

ودفع عمرو إلى جيفر الكتاب مختوماً’ ففض ختامه وقرأه، ثم دفعه إلى عبده فقرأه. ثم التفت إلى عمرو فقال “إن الذي يدعو إليه من جهة صاحبك أمر ليس بصغير، وأنا أعيد فكري فيه وأعلمك”. 

ثم استحضر الأزد وبعث إلى كعب بن برشة العودي، فسألوه عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال لم، إنه نبي، وقد عرفت صفته، وأنه سيظهر على العرب والعجم. 

وأسلم كعب وعبد وجيفر، وبعثوا إلى وجوه الناس، فبايعوهما للنبي صلى الله عليه وسلم، وأدخلوهم في دينه، وألزمهم تسليم الصدقة، وأمروا عمرو يقبضها، فقبضها منهم على الجهة التي أمرهم بها عليه الصلاة والسلام. 

ثم بعث جيفر إلى مهيرة، والشحر ونواحيها، فدعاهم إلى الإسلام فأسلموا. وبعث إلى دبا وما يليها إلى آخر عمان، فما ورد رسوله على أحد إلا أسلم وأجاب دعوته، إلا الفرس الذين كانوا بعمان، فحين أبوا عن الإسلام، اجتمعت الأزد إلى جيفر وقالوا: “لاتجاورنا العجم بعد هذا اليوم” وأجمعوا على إخراج عامل الفرس مسكان، ومن معه من الفرس. 

فدعا جيفر بالأساورة والمرازبة فقال لهم إنه قد بعث نبي في العرب، فاختاروا منا إحدى حالتين: أما ان تسلموا وتدخلوا فيما دخلت فيه، وإما أن تخرجوا عنا بأنفسكم. فأبوا أن يسلموا وقالوا: “لسنا نخرج”. فعند ذلك اجتمعت الأزد وقاتلوهم قتالا شديداً، وقتل مسكان وكثيرا من أصحابه. ثم تحصن بقيتهم في مدينة دستجرد فحاصروهم أشد حصار. فلما طال عليهم الحصار طلبوا الصلح، فصالحوهم على أن يتركوا كل صفراء وبيضاء وحلقة كراع. فأجابوا إلى ذلك فخرجوا من عمان، وبقيت أموالهم وهي في الصوافي. 

ومكث معهم عمرو، وهم له طائعون ولقوله سامعون. إلى أن بلغته وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فأراد الرجوع إلى المدينة، فصحبه عبد بن الجلندى، وجيفر بن جشم العتكي، وأبو صفرة سارف بن ظالم، في جماعة الأزد.

فقدموا مع عمرو بن العاص إلى أبي بكر رضي الله عنه فلما دخلوا عليه قام سارف بن ظالم وقال “يا خليفة رسول الله، و يا معشر قريش! هذه أمانة كانت في أيدينا وفي ذمتنا ووديعة رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد برئنا إليكم منها” فقال أبو بكر “جزاكم الله خيرا”. 

وقام الخطباء بالثناء عليه والمدح، فقالوا: “كفاكم معاشر الأزد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وثناؤه عليكم” وقام عمرو ابن العاص، فلم يدع شيئا من المدح والثناء إلا قاله في الأزد. وجاءت وجوه الأنصار من الأزد وغيرهم مسلّمين على عبد ومن معه. 

فلما كان من الغد، أمر أبو بكر فجمع الناس – من المهاجرين والأنصار- وقام أبو بكر خطيبا, فحمد الله وأثنى عليه، وذكر النبي فصلى عليه، فقال: “معاشر أهل عمان، إنكم أسلمتم طوعاً, لم يطأ رسول الله ساحتكم بخف ولا حافر. ولا عصيتموه كما عصت غيركم من العرب. ولم تركوا بفرقة ولا تشتت شمل، فجمع الله على الخير شملكم. ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح. فأجبتموه إذ دعاكم، على بعد داركم، واطعتموه إذ أمركم – على كثرة عددكم وعدتكم، فأي فضل أبر من فضلكم؟ وأي فعل أشرف من فعلكم؟ كفاكم قوله عليه السلام شرفاً إلى يوم المعاد. ثم قام فيكم عمرو ما أقام مكرماً. ورحل عنكم إذ رحل مسلما. وقد منّ الله عليكم بإسلام عبد وجيفر ابنى الجلندى وأعزكم الله به وأعزه بكم. وكنتم على خير حال وجميل، حتى أتتكم وفاة رسول صلى الله عليه وسلم فأظهرتم ما يضاعف فضلكم وقمتم مقاما حمدناكم فيه. ومحضتم بالنصيحة وشاركتم بالنفس والمال، فيثبت الله به ألسنتكم ويهدي قلوبكم وللناس جولة. فكونوا عند حسن ظني بكم. ولست أخاف عليكم أن تغلبوا على بلادكم. ولا أن ترجعوا عن دينكم. جزاكم الله خيرا” ثم سكت.

وذكر بعض المتحدثين ان عبدا لما قدم على أبي بكر رضي الله عنه، استنهضه، في مقاتلة الرجعة، فأجابه غلى ذلك. فسر به سرية وأمره عليها. فخرج عبد على السرية حتى وافى ديار آل جفنة ولهذا خبر وحديث يطول شرحه. 

وقد شهر مقام عبد، وعرف مكانه. 

وكان في السرية حسان بن ثابت الأنصاري. فلما قدموا ديار آل جفنة, قام حسان وقال: “قد شهر مقام عبد في الجاهلية والإسلام، فلم أر رجلا أحزم ولا أحسن وأيا وتدبير من عبد. وهو نفسه لله في يوم غارت صباحه وأظلم صباحه”. 

فسر ذلك أبا بكر رضي الله عنه وقال “هو يا أبا الوليد كمات ذكرت، والقول يقصر عن وصفه، والوصف يقصر عن فضله”. 

فبلغ ذلك عبدا، فبعث إليه بمال عظيم، وأرسل إليه: غن مالي يعجز عن مكافأتك فاعذر فيما قصر، واقبل ما تيسر. 

ثم إن أبا بكر كتب كتابا إلى أهل عمان يشكرهم ويثني عليهم وأقر جيفر أخاه عبدا على ملكهما, وجعل لهما أخذ الصدقات من أهلها وحملها إليه. وانصرف عبد ومن معه شاكرين. 

 

من كتاب تاريخ أهل عُمان, تحقيق وشرح دكتور سعيد عبدالفتاح عاشور. 

 

Your Page Title