مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
مسقط-أثير
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
انتقل إلى رحمة الله اليوم الثلاثاء الوزير المتقاعد السيد عبدالله بن حمد البوسعيدي عن عمر يناهز الـ 70 عامًا، بعد حياة حافلة بالعطاء في خدمة الدولة.
وكانت “أثير” قد نشرت موضوعًا عن مبادرة ثقافية مهمة أسسها الفقيد وتعد امتدادًا للمشاريع الحضارية العمانية الفكرية منذ القدم، ألا وهي مبادرة “صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي” الذي أسّسه السيد عبدالله في القاهرة عام 1996م، عندما كان يشغل موقع سفير سلطنة عمان لدى مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية واختار له أن يحمل اسم ” الخليل بن أحمد الفراهيدي” نسبةً إلى أحد الأعلام الفكرية البارزة التي أنجبتها عمان ضمن قامة طويلة من الرموز والأعلام في مختلف المجالات، وكانت فعالياته تقام على شكل حلقات شهرية.
مؤسس الصالون
مؤسس الصالون
هو السيد عبد الله بن حمد بن سيف بن محمد البوسعيدي. ينتمي إلى أسرة بارزة في المجال الإداري والديني والأدبي، حيث عمل آباؤه في مناصب إدارية عديدة في خدمة الدولة خصوصا في مجال الولاية والقضاء، ومن بينهم خلال الفترة الأخيرة عمه السيد بدر بن سيف الذي تولى الولاية في عدد من ولايات سلطنة عمان.
أما والده فهو السيدر حمد بن سيف بن محمد البوسعيدي، تولى الولاية والقضاء في عدد من الأماكن قبل وبعد النهضة من بينها: ولاية دماء والطائيين (1949م)، وظل قائمًا على القضاء متنقلا بين ولايات صور، وجعلان، ووادي بني خالد، وقريات، وأدم، والمصنعة، والسويق، ثم عين قاضيًا لوزارة شؤون الأراضي، فالمحكمة الشرعية بمسقط، وبعدها عين مستشارًا قضائيًا لوزير العدل.
وكان السيد حمد بن سيف من الأسماء الأدبية البارزة على مستوى سلطنة عمان، ويمتلك مكتبة تضمّ العديد من الكتب التراثية والمخطوطات، وله عدد من المؤلفات منها: الموجز المفيد نبذ من تاريخ البوسعيد، وإرشاد السائل من أجوبة المسائل، وقلائد الجمان من أسماء شعراء عمان، والجواهر السنية في المسائل النظمية، وجوهرة الزمان في ذكر سمد الشأن.
وقد تلقى السيد عبد الله بن حمد تعليمه الأولى في مدارس القرآن الكريم أثناء تنقّله وأسرته مع والده خلال عمله، ثم التحق للدراسة في المدرسة السعيدية بمسقط، وفي عام 1973م التحق بــوزارة الأراضي مع ارتباطه بالذهاب إلى المدرسة خلال الفترة المسائية، ثم انتقل للعمل في هيئة جمع المخطوطات العمانية، وفي عام 1978م انتقل إلى وزارة العدل وتحديدًا بالدائرة المالية بها حيث خضع لدوراتٍ إداريةٍ ومالية متخصصة.
وبعد إنشاء وزارة البيئة في عام 1984م، طلبه السيد شبيب بن تيمور للعمل معه، فشغل منصب مدير عام المالية، إلى أن تشرف بالثقة السامية وعين وزيرا للإسكان في أكتوبر 1986م، وفي يناير 1989م عين مندوبا لدى الجامعة العربية بتونس، ثم نُقل إلى القاهرة وسفيرا غير مقيم في قبرص، ثم عاد إلى سلطنة عمان كرئيسٍ لجهاز الرقابة المالية.
وقد تأثر السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي بالبيئة الأدبية الخصبة التي عاش فيها، فقد كان إرث الأسرة الفكري حاضرًا وملهمًا، كما شكّل تنقل والده بين الولايات المختلفة، وعمله قاضيا وواليا وما يرتبط بذلك من توافد العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والدينية على مجلسه بشكلٍ يومي وما يتم تداوله في تلك المجالس، إضافةً فكرية مهمة أضافت الكثير إلى رصيد السيد عبد الله الثقافي، وقرّبته من المشهد الثقافي العماني بشكلٍ كبير، وألهمته العديد من الأفكار التي سعى إلى تحقيقها مستقبلًا كما نرى ذلك في فكرة صالون الفراهيدي.
وقد تأثر السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي بالبيئة الأدبية الخصبة التي عاش فيها، فقد كان إرث الأسرة الفكري حاضرًا وملهمًا، كما شكّل تنقل والده بين الولايات المختلفة، وعمله قاضيا وواليا وما يرتبط بذلك من توافد العديد من الشخصيات السياسية والثقافية والدينية على مجلسه بشكلٍ يومي وما يتم تداوله في تلك المجالس، إضافةً فكرية مهمة أضافت الكثير إلى رصيد السيد عبد الله الثقافي، وقرّبته من المشهد الثقافي العماني بشكلٍ كبير، وألهمته العديد من الأفكار التي سعى إلى تحقيقها مستقبلًا كما نرى ذلك في فكرة صالون الفراهيدي.
فكرة الصالون وسبب اختيار الاسم
فكرة الصالون وسبب اختيار الاسم
كان السيد عبد الله بن حمد يدرك مدى التحديات الحضارية التي تواجه الثقافة العربية وتسعى إلى الهيمنة الثقافية تحت مسميات عديدة كالعولمة وغيرها، وأنه لابد من مواجهة تلك التحديات، وقد عبّر عن ذلك في مقدمة كتاب “حوارات صالون الفراهيدي” حيث ذكر أنه ” وإذا كانت حضارتنا تواجه اليوم بعض الاختبارات والتحديات، فإن الحوار الواعي على كل مستوياته هو سبيلنا للإجابة عن التساؤلات، ومحاولة النهوض من العثرات، وتلافي السلبيات، المحافظة على الخصائص والميزات.
من هنا طرحتُ فكرة هذا الصالون التي كانت تراودني منذ زمنٍ طويل علّها تشكل خطوة متواضعة على الطريق”
وعن سبب التسمية ذكر السيد عبد الله بن حمد خلال حواره مع المكرّم حاتم بن حمد الطائي وأحمد بن سيف الهنائي من جريدة الرؤية، أنه وخلال إحدى زياراته إلى المملكة المغربية دخل جامع القرويين بفاس فوجد المكتبة مغلقة، فاطلع على سجل المكتبة فوقع بصره مباشرةً على كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي، فتعجب قائلا: “سبحان الله ما هذه الصدفة؟” فقال أمين المكتبة، وما الصدفة سيدي؟ فأخبره أن أول كتابٍ يقرأه في السجل هو كتاب العين للفراهيدي وهو شخصيةٌ عمانية، فقال مجاوباً: “كلا فهذا بصري” فأعلمه السيد عبدالله أن الخليل بن أحمد عماني المولد بصري النشأة عربي الهوية والثقافة والتعليم، هذا هو الخليل بن أحمد الذي أصبح علمه وإرثه عربياً وليس عمانياً فقط، فقد ولد في ولاية المصنعة بقرية ودام الساحل. حدث ذلكم الموقف في عام 1988م، وظل عالقاً بذهنه حتى أنشئ الصالون في عام 1996م.
وفي المقدمة التي افتتح بها كتاب (حوارات صالون الفراهيدي)، ذكر السيد عبد الله بن حمد أنه” لقد كان اختيار اسم “الخليل” ابن عمان وأحد رموز هذه الأمة العريقة عنوانًا لهذا الصالون، اعتزازًا بأصالة الثقافة العربية وسعة أفقها ونزعتها الدائمة إلى الحوار والتجديد وامتداد جذورها إلى بقاع متنوعة متآلفة من الأرض العربية، وامتداد ظلها وثمارها إلى كل أرجاء الأرض”.
افتتاح الصالون وأبرز فعالياته
افتتاح الصالون وأبرز فعالياته
نفّذ الصالون خلال فترة وجود السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي في القاهرة العديد من الجلسات والحلقات التي تناولت جوانب عديدة من القضايا والموضوعات الأدبية والفكرية والتاريخية المتعلقة بسلطنة عمان، وكانت الحلقات تقام يوم الثلاثاء من الأسبوع الأخير من كل شهر.
وقد بدأت أولى فعاليات الصالون في 29 أكتوبر 1996 تحت رعاية معالي الدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية وقتها، وكانت الحلقة الأولى حول الخليل بن أحمد وشخصيته، أما الحلقة الثانية فخصصت لمناقشة مشروع موسوعة السلطان قابوس لأسماء العرب التي تعد سجلًا لأسماء العرب والأسماء الأكثر شيوعًا وتداولًا في الوطن العربي، وسلّطت الحلقة الثالثة الضوء على المدائح النبوية في الشعر العربي، أما الحلقة الرابعة فتناولت التواصل الحضاري بين مصر وعمان، وركّزت الحلقة الخامسة على موضوع الشعر في الحب الإلهي، وأتت الحلقة السادسة لتقترب من أبعاد الوجود العربي في شرق أفريقيا، أما الحلقة السابعة فتناولت موضوع عمان في عيون الرحالة.
أهمية فكرة الصالون
أهمية فكرة الصالون
تأتي أهمية فكرة صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي في إطار إحياء المواريث الثقافية العربية، ومدى الأهمية التي تشكلها هذه العملية الثقافية في ظل العولمة ومحاولات الغزو الفكري الهادفة إلى طمس معالم الثقافة العربية.
ويذكر الباحث الدكتور عادل أبو طالب في مقالٍ له منشور في العدد (11) من مجلة (نزوى) أن ” المبادرة التي أطلقها معالي السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي سفير سلطنة عمان لدى مصر ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية بإعلانه عن تنظيم صالون ثقافي باسم الخليل بن أحمد الفراهيدي في حلقات شهرية، تأتي كواحدة من ضمن المبادرات الفريدة لانطلاقها وفق هدفٍ واضح ومحدد وانطلاقًا من رؤيةٍ حضارية تستند إلى حتمية التواصل الثقافي بين أبناء الأمة العربية المجيدة وما تزخر به لغتها العربية من تراثٍ عظين وموروثٍ خالد”
ويضيف الباحث أن فكرة صالون الفراهيدي تحمل رؤية ثقافية كمبادرة ذات رسالة لدراسة الحضارة والفكر والأدب العربي بهدف الوصول إلى فكرٍ ثقافيّ عربي واحد.
وعن مسيرة صالون الفراهيدي وأهميته الفكرية يذكر السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي في حوار صحفي سابق له لإحدى وسائل الإعلام أنها ” كانت تجربة ثرية أعتقد أنها خدمت السلطنة على المستوى الفكري والثقافي والأدبي وتطرقت الى موضوعات عديدة ومناشط مختلفة خاصة أن الصالون أقيم في القاهرة التي تعج بمختلف المناشط الثقافية والعلمية وكان يضم أطيافاً من مختلف العالم العربي والأجانب الذين تربطهم علاقة متينة بالتاريخ العربي”
أسماء فكرية كبيرة
أسماء فكرية كبيرة
استقطب صالون الفراهيدي أسماء فكرية كبيرة في مختلف المجالات، شاركت في الحوارات والمناقشات والمداخلات التي شهدها الصالون خلال جلساته المختلفة، ومن بين تلك الأسماء: الدكتور عصمت عبد المجيد، والدكتور أحمد درويش، والدكتور كمال بشر، والدكتور السعيد محمد بدوي، والدكتور سعيد دعبيس، والدكتور أحمد عفيفي، والدكتور صلاح فضل، والشاعر فاروق شوشة بالإضافة إلى عدد كبير من الشعراء ورجال الصحافة والإعلام في مصر وعمان والوطن العربي.
كتاب
كتاب
نظرًا لأهمية أوراق العمل المقدمة في حلقات الصالون وما يرتبط بها من نقاشات وحوارات خصوصا مع مشاركة العديد من الرموز والأسماء الفكرية البارزة على المستوى العربي، فقد رغب السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي في جمع تلك الحلقات في كتابٍ يضمها ويحفظها ويكون مرجعًا للأجيال القادمة وكذلك للباحثين الراغبين في التعرف عن قرب على بعض العناوين المتعلقة بتاريخ سلطنة عمان الفكري، لذا فقد ظهر الجزء الأول من كتاب “حوارات صالون الفراهيدي” عام 1998م والذي ضم الحوارات والمناقشات التي دارت في الصالون الأدبي.
تغطيات إعلامية
تغطيات إعلامية
نظرًا للدور الكبير الذي لعبه الصالون وأهميته على الخريطة الفكرية العربية، فقد كانت أنشطة صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي محل اهتمام وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة وقتها، وحظيت فعالياته بتغطيات مستمرة. ونعرض هنا لنماذج من الأخبار الصحفية التي تناولت بعض فعاليات الصالون.
المراجع
المراجع
- أبو طالب، عادل. صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي.. رؤية حضارية جديدة في عصر العولمة، مجلة نزوى، العدد 11، 1 يوليو 1997.
- البوسعيدي، عبد الله بن حمد. حوارات صالون الفراهيدي، دار الشروق، القاهرة، 1998.
- الربيعي، عبد الرزاق. السيد عبد الله بن حمد البوسعيدي يفتح ذاكرته في مجلس”ميثاق”، صحيفة أثير، الخميس 16 أبريل 2015م.