أبجد

حوار مع الشاعر الفلسطيني طارق الكرمي

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

حوار مع الشاعر الفلسطيني طارق الكرمي

 

أرفض أن أفصّل قصائد على مقاس ذائقة القطيع

أصبح لدينا شعراء جنس ثالث، جلّ الموجودين مثل غانيات الفيديو كليب

أنا من بلاد 42

 

حاوره محمد الهادي الجزيري

 

يكتب بقدميه على كلّ أرض يمرّ بها، يكتب بكلّ خليّة فيه ولا يعرف التخلّص من الشاعر الكامن فيه ، ليكون “مواطنا صالحا” مطيعا لكلّ السلطات المحيطة به ولو لفترات قصيرة من يومه ، إنّه الشاعر الفلسطيني طارق الكرمي المعافى تماما من الانفصام المتفشّي في أغلب الشعراء، لا أدري إن كان ذلك من حسن الحظّ أو من سوئه ربّما، فما أصعب أن يكون المرء شاعرا على مدار الساعة وفي الفصول الأربعة ، جلست إليه أثناء زيارته لتونس منذ أيام قليلة ، واستدرجته إلى هذا الحوار، عسى أن أكون وفّقت في استنطاق هذا الطائر المهاجر ذي حقيبة الظهر الملتحمة به أثناء جموحه في الأرض وما جاورها من أوراق ودفاتر …..

 

من الواضح أنّك لم تزل غاضبا على العالم، أما زلت حالما بتغييره؟

 

*غاضب نعم لأنّني لم أتمم ولادتي،ومازلت أكتشف يوميّا في طيّات العالم فظائع وأوحالا وغابات موحشة داخل الإنسان،ولأنّي ما زلت بعيدا عن بلادي، ثمّ إنّ الأرض لم تصبح كرويّة ، لم تعد كمثرى تسقط سهوا من يد امرأة نائمة، لم تعد كرة في ملاعب الطفولة ، حين أنظر إلى السماء أراها عبارة عن قاع مقلوب، لطالما حلمت أنّ الأرض تفّاحتي أقطفها من شجر البرق، وها إنّي ما زلت أعدو ، أخطو لأصافح بقديّ الأرض ولكن ما زلت أسير أنا والأرض في الطريق حالميْن ببلوغ الأرض…

 

ــ ثمّة أراض أخرى انتهكت ، من ضمنها أرض القصيدة وهذا ما تقوله كتاباتك…

 

*يعاني الشعراء اليوم من مقاولي المهرجانات الثقافيّة، من تجّار سوق القصائد،وللساقطين رجالا ونساء اليد الطولى للأسف، أنا كشاعر اُغتصب يوميّا في ظلّ ما أتجرّعه من ضحالة وتفاهة وهلوسات تتحرّش بالأدب والشعر…

 

ــ لماذا وجمت؟

 

*هذا أمر مؤلم ، أحيانا أفكّر أن أنتهي من كتابة القصائد لأنّها أجمل ما في الأرض وهذا عالم موحل وموبوء، قلت لك منذ قليل في مقولة فلسفيّة إنّ التاريخ الإنسانيّ لم يبدأ بعد، فمتى أبدأ أنا؟، والذي يقول لك نغيّر العالم بالقصائد مختلّ كونيّا، علما أنّك إذا سألتني من أيّ بلاد أنا ، سأقول من بلاد 42 ..

 

ــ ماذا تقصد؟

 

*هي مقاس حذائي ، وطني بمقاس حذائي، لا يوجد لي وطن ، فقط أنا أوجد وأحدث، أتعرف متى أحدث؟، بين نظرة الطفل وحبّة المطر، بين سعال عجوز وضحكة فتاة، أنا أحدث حين تقبّل خطوتي الرصيف..أحدث بينهما ، إذن أنا بلادي…

 

ــ لكنّك رغم أنفك تنتمي إلى جغرافيا معيّنة ومحدّدة، فأنت فلسطيني، ولو لم أكن مطّلعا على تجربتك المتميّزة لقلتُ أنّك شاعر بالهويّة ، فكم من مواطن أمسى شاعرا فقط  لكونه فلسطينيّا، ألا ترى أنّ درويش العظيم كان على حقّ يوم صهل: ” ارحمونا من هذا الحبّ القاسي “؟..

 

*طبعا الكذب متفشّ في العالم وليس في فلسطين فقط، (أنا مصاب بحالة وطن )، لا يهمّني ما اسم الوطن وشكله، تونس مثلا توجعني، فيها أكتب أجمل القصائد وليس في فلسطين، لقد كتبت بلغة انحياز واختراقات وبعشق خالص وفريد، إذن تونس جنت عليّ وورّطتني ورطتي الجميلة في الشعر وليس فلسطين ….

 

ــ لكنّك لم تجبني عن سؤالي المتعلّق بانتحال الصفة لكلّ حامل للقضيّة..

 

*يا صديقي الجزيري، إجابتي مختصرة جدّا ، ألا وهي أنّك فلسطيني أكثر منّي وأنا تونسيّ أكثر منك

 

ــ حسنا، وما ردّك على اختلاط الحابل بالنابل والشاهق بالفاشل ؟

 

*أصبح لدينا شعراء جنس ثالث، جلّ الموجودين مثل غانيات الفيديو كليب، ,اكتفي بهذا القدر من الإجابة فهم لا يستحقّون مزيدا من الوقت للحديث عنهم…

 

ــ تحرص على الظهور شكلا وسلوكا في هيئة الخارج عن القطيع، صعلوكا جميلا ، يعانق الحياة دون اكتراث بالآخرين ، كأنّ بك طفولة متأخّرة …

 

*لم أنقطع عن طفولتي ، مازلت مضروبا بسماء طفولتي، ما زلت ألهو إلى الآن ، ألهو بأيّ    شيء ومع أيّ شيء،أمّا بالنسبة للآخرين فهم امتدادي ونحن عائلة الله، لا أخفي عنك أنّ الكثيرين يطلقون عليّ ” ذئب ليل ” ذئب ممرّات ضريرة ، أتبع حليب امرأتي وأنا أحبو على أنفي خلف رائحتها في الممرّات ، ألم نكن في واحة توزر نوقد نار المعسكر؟، ألم نكن نحتسي الدم الأبيض للنخل؟، ألم نكن نحلّق بأجنحة من جريد؟….

أنا لست بصدد صناعة فيلم لنفسي، ولو أنّ العالم فيلم مرعب ومضحك كذلك حتّى البكاء، ، أنا ممثّل نفسي ومخرج ومنتج ومشاهد فيلم حياتي الخاص وهذا أكبر من جائزة الأوسكار ببساطة….

 

ــ تهدّد العالم من حين إلى آخر بالانقطاع عن الكتابة وتتراجع دائما عن تهديدك ، ألديك قارئ في انتظارك؟

 

*لا يعنيني من هو خلف الباب ولا أنتظر أيّ قارئ، أبحث عن نسبة ثلاثة بالمائة وهذا رقم كبير جدّا ، لأنّني أرفض أن أفصّل قصائد على مقاس ذائقة القطيع ، كلّ ما في الأمر أنني أحيانا أغتصب نفسي بالانقطاع عن الكتابة من أجل تهيئة ولادات كتابيّة أخرى،عن حرائق أخرى، عن نبض بصريّ آخر في الكون، كما أنّي أدرّب حواسي في كلّ انقطاع على التوغّل أكثر في الأرض واللغة، علما أنّني أؤمن بالنصّ الماديّ وأكتب ما تمليه عليّ المادّة ، فالقطار هو القطار والسيجارة هي السيجارة ولكن عندما أكتب عنها أشطب معناها فأحسّها دخان ناي، كما أنّي لا أؤمن بالموسيقى في القصيدة ، ليس بمعنى الوزن وإنّما التطريب والبحث عن تضخيم اللفظ على حساب المعنى ….

 

ــ من حين إلى آخر تغزو العالم بحقيبة على الظهر وبكثير من القدرة على الضحك والعبث، ولقد عانقت عديد الجهات والعواصم ، ما الذي ظلّ منها في ذاكرة الشاعر؟

 

*بالنسبة لحقيبة الظهر، أنا لا أحملها كديكور،أنا متزوّج منها ، هي منزلي الذي أحمله على ظهري، وهي أيضا أرض الطرد المفخّخ بالقصائد وأشيائي التي تنفجر كلّ يوم في وجه العالم ..، أمّا ذاكرتي فمسكونة بتونس ورفاقي المتوهّجين فيها ، وبيروت التي تحفظ انتصاراتنا وسقطاتنا كفلسطينيين ، هناك أيضا فرنسا وخصوصا جنوبها ( لودوف ) حينما شاركت في مهرجان أصوات البحر الأبيض المتوسط للشعر العالمي، وتحضرني الآن بقوّة سلطنة عمان التي أعتبرها درّة الخليج ، هي ذاكرة الرمل الذي يسيل كساعة الميعاد في تكويني شخصيّا، مكثت في عمان أياما ثقافية في مهرجان القدس عاصمة الثقافة العربية، ويحضرني كائن إنسانيّ كبير، هو سموّ الشيخ هيثم بن طارق بن سعيد، وزير الثقافة والتراث ، فقد أفحمنا بتكريمه ورعايته لنا وتواضعه المدهش ، أتمنّى أن يكون في أحسن حال ، وهو من أفضل من صادفتهم في حياتي…

 

ــ هل نختم حوارنا بالشعر؟

 

 *لم لا؟

 

مع حذائِكَ

مع حذائِكَ

الذي لهُ قعقعةُ حافرِ الحصانِ

مع حذائكَ هذا

أقمْ معهُ العلاقةَ العاطفيةَ

هذا هو المُعادِلُ

لتعرفَ أنَّ لكَ قلباً على الأرضِ

حافِياً يَدُبُّ.. “

 

Your Page Title