خاتم الأنبياء وشرف التاريخ ينصفان عُمان

خاتم الأنبياء وشرف التاريخ ينصفان عُمان
خاتم الأنبياء وشرف التاريخ ينصفان عُمان خاتم الأنبياء وشرف التاريخ ينصفان عُمان

أثير – تاريخ عمان
إعداد : نصر البوسعيدي


الأرض التي أحبها نبي الله ودعا بالخير لها لن تكون يومًا إلا أرض خير وأمان على هذه الأمة والإنسانية جميعا، وهي من لبت نداء الإسلام ودعوة النبي بسلام وترحاب بعد حوار تاريخي ومنطقي حدث بين مبعوث رسول الله وملوك عمان ليخبر النبي بعدها جميع أصحابه بأنه من أتى أهل عمان ما سبوه ولا ضربوه، وهي إشارة عظيمة من خاتم الأنبياء والرسل لنقاء هذه الأرض وأهلها للعالم أجمع، وقد قدر الله أن تبقى عُمان مستقلة دوما كما فعل منذ بداية الإسلام نبينا الكريم -صلى الله عليه وسلم- حينما أقر استقلاليتها وشخصيتها الاعتبارية بين الأمم بترك حكمها لملوكها وثقته بهم رغم حديث عهدهم بالإسلام والبعد الجغرافي عن موطن الدعوة ببلاد الحجاز، وكأنها رسالة نبوية واضحة وجلية للعيان عبر التاريخ بأن عمان ستبقى بلدا عربيا إسلاميا مستقلا، بفضل وعي شعبها وسياسة ملوكها وحكمة سلاطينها.

فهي بلاد ومنذ تاريخها القديم الممتد لآلاف السنين لم تكن إلا موطنا يؤمن بالسلام وبالتواصل الحضاري مع الجميع، فحينما كان العالم القديم وتلك القوى في صراعات دموية من أجل السلطة، كان أهل عمان بموقعهم الجغرافي وسياستهم المتزنة بعيدين كل البعد عن التدخل بين أطراف الصراع، بل كانت البلاد تستضيف الجميع وخاصة من يلجأ إليها.

والبلاد التجارية عادة تراها سائرة دوما في الحياد، لذا كانت موانئ عمان تتزعم خطوط التجارة العالمية دون منازع وتربط بين الشرق والغرب، بل كان للتجار العمانيين الدور الأهم في نشر تعاليم الإسلام السمحة فيما بعد في شرق آسيا وشرقي أفريقيا بعدما طهرها الجيش العماني من الاستعمار البرتغالي، ويكفي أن نعلم مثلا بأن العماني أبو عبيدة عبدالله بن القاسم الصحاري وصل للصين واستقر بها ونشر الإسلام هناك وكرّمه إمبراطور الصين قبل قرون بوسام الأخلاق النبيلة لحسن خلقه وتأثيره الإيجابي على المجتمع الصيني كأحد أوائل العرب الواصلين في تلك الأنحاء في عهد الإسلام.

وكان حكام البلاد وقادتها أيديهم ممدودة إلى الآخر للعون والاستقرار من أجل ترسيخ مبدأ السلام دون الرغبة في الحصول على مكاسب سياسية بحتة، فنجد مثلا أن الإمام غسان اليحمدي (ت:207هـ) جهز الأسطول العماني وجيشه لمحاربة القراصنة الهنود في بحر العرب والمحيط الهندي لحماية كل التجار ومن جميع الجنسيات وقوافل الحج، فآمن الجميع حينما قضى الجيش العماني على خطر القراصنة في المنطقة.

والتاريخ كذلك يشهد بأن حاكم عمان الإمام الصلت بن مالك الخروصي أنجد أهل سقطرة، وكان خير عون لهم وعلى عرض نسائها بعدما طهرها بجيشه العماني من تمرد وغدر النصارى وأحباشها، ورغم ذلك أوصاهم خيرا بالأسرى من أعدائهم ووصى جيشه وقادته بوصية عظيمة مما قال فيها:
“فإن أجابوا وتابوا فلتقبلوا ذلك منهم ولتأمروهم بترك ما في أيديهم وأيدي أصحابهم من أهل الحرب من نساء مسلمات….، فإن وصلوا إليكم بمن أجابهم من أهل الحرب وقد استسلموا وتابوا من حدثهم وجاؤوا بالنساء المسلمات فاقبلوا ذلك منهم، ولا تعرضوا لأحد ممن جاءكم تائبا مستأمنا مستسلما بسفك دمه، ولا انتهاك حرمته، ولا سبي ذريته ولا غنيمة ماله، وليكونوا مثلكم آمنين”.
ومن ينسى دور حكام عمان من أئمة اليعاربة وهم يطهرون عمان والخليج وشرقي أفريقيا والمحيط الهندي من الاستعمار البرتغالي، لينعم الجميع بالأمان والاستقرار من تجار ومن قوافل الحج عبر البحار، فكم من حجاج تم إعدامهم في البحر من قبل البرتغاليين من كانوا يقتلون الكبير والصغير بكراهية وحقد لا حد له في الإجرام.
وذاك السيد سعيد بن سلطان في شرق أفريقيا وبعدما اتخذ زنجبار عاصمة له، نثر التسامح الإسلامي فيها كعمان وفي كل البلدان التي جاورتها وكان يوصي ولاته وقضاته وقادته دوما بهذه الرسالة لاحترام الآخر وعقيدته وفكره حيث كان يرسل لهم:
” من سعيد بن سلطان إلى جناب كافة ربعنا بحال القضاة، كل من حكم بحكم وأخطأ فيه يرجع بالسؤال إلى من هو أعلم منه، كل مذهب يتبع مذهبه، وهذا ما جرت العادة”.
ولذا كنّا نرى أن عمان وإمبراطوريتها الشاسعة كانت بابا مفتوحة لجميع الطوائف والأديان في عالم العلاقات التجارية والإنسانية.
وبشكل عام، ركز التاريخ كثيرًا على جهود الملوك والأئمة والسلاطين من أهل عمان في رسالة السلام ودعوة الجميع للوحدة وعدم التباغض والتحاسد، وهنا سنحاول أن نسلط الضوء على جهود المواطن العماني ذاته في ذلك، لنعرض بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر.
فجابر بن زيد ابن نزوى هذا العماني الذي كان أشهر تلميذ من تلامذة أم المؤمنين واتخذ من البصرة موطنا له، كان يدعو دوما للسلام رغم أذى الدولة الأموية له وأهل عمان خاصة أيام الحجاج بن يوسف، وكان يأمر أتباعه بعدم التهور في ردات الفعل حفظا للدماء.
وإليكم القاضي العماني في البصرة كعب بن سور أول عماني يستشهد في حرب وفتنة موقعة الجمل وهو ماسكا مصحفه ينادي على قومه بالهداية والسلام ووقف التناحر حتى قتله سهم غادر بين صحابة رسول الله.





وحينما نرى الشيخ نور الدين السالمي في العصر الحديث وما كان يكتبه عن الأمة حينما كان يراها بكل حزن تموج في الفتن فيقول لصاحبه المجاهد الليبي ضد الاستعمار الإيطالي سليمان باشا الباروني وهم يناقشون حال الأمة:
“قد نظرنا في الجامعة الإسلامية فإذا فيها كشف الغطاء من حقيقة الواقع ولذلك الفكر المهدي لتلك الحقائق، ونعم نوافق على أن منشأ التشتت هو اختلاف المذاهب وتشعب الآراء، وهو السبب الأعظم في افتراق الأمة كما افتضاه نظرك الواسع في بيان الجامعة الإسلامية، ومنها التحاسد والتباغض والتكالب على الحظوظ العاجلة، ومنها طلب الرئاسة، والاستبداد بالأمر وهذا هو السبب الذي نشأ عنه افتراق الصحابة في أول الأمر بين علي ومعاوية، ثم نشأ الاختلاف في المذاهب.
وجميع الأمة بعد تشعب الخلاف ممكن عقلا مستحيل عادة، والساعي في الجمع مصلحلا محاله، وأقرب الطرق له أن يدعو الناس لترك الألقاب المذهبية ويحثهم على التسمي بالإسلام (إن الدين عند الله الإسلام) فإذا استجاب الناس إلى هذه الخصلة العظيمة ذهبت عنهم العصبية، فيبقى المرء يلتمس الحق لنفسه ويكون الحق أولا عند آحاد من الرجال ثم يظهر شيئا فيصير الناس إخوانا”.
وكان نور الدين السالمي يردد دوما مقولته لأصحابه ليخبر العالم أجمع باختصار نهج الفكر العماني وسلامته واعتماده على التحاور بالمنطق والعدل مع الجميع وبعده عن الفتن التي شغلت الأمة الإسلامية حتى يومنا هذا فيقول:
ونحن لا نطالب العبادا فوق شهادتيهم اعتقادا
فمن أتى بالجملتين قلنا إخواننا وبالحقوق قمنا
ويستمر أهل عمان بنثر نصائحهم لوحدة الأمة الإسلامية مثلما نرى ذلك جليا في بوح وشعر أبو مسلم البهلاني هذا الشاعر والأديب العماني المعروف وهو يكتب للأمة الإسلامية لوعته لما يحصل بينهم من تقاتل وشتات ويقول ناصحا ومعاتبا بتصرف:
وما الدين إلا واحد والذي نرى ضلالات أتباع الهوى تتقارع
وما ترك المختار ألف ديانة ولا جاء في القرآن هذا التنازع
فيا ليت أهل الدين لم يتفرقوا وليت نظام الدين للكل جامع
وما ذبح الإسلام إلا سيوفنا وقد جعلت في نفسها تتقارع
ولو سلت السيفين يمنى أخوة لدكت جبال المعتدين المصارع
وما صدعة الإسلام من سيف خصمه بأعظم مما بين أهليه واقع
فكم سيف باغ حز أوداج دينه بأفضع مما سيف ذي الشرك باخع
وفي العصر الحديث هناك أمثلة كبيرة وكثيرة لروح التسامح والتعايش العادل في عمان ففي عهد السلطان سعيد بن تيمور، كان أحد وزرائه يقوم بشراء بضائعه من أحد التجار الهنود، ولم يدفع له المتفق عليه، فذهب التاجر إلى المحكمة يشكو فعل الوزير وكان القاضي حينها الشيخ سعيد بن أحمد الكندي الذي حكم لصالح التاجر واستدعى الوزير للمحكمة لأداء اليمين، فرفض الوزير ذلك، فأخبر القاضي السلطان سعيد بأن وزيره إن لم يحضر للمحكمة فسوف يقدم استقالته ويترك القضاء، وما كان من السلطان إلا أن وبخ وزيره كثيرا وأمره للامتثال لعدالة المحكمة ورد الحقوق للتاجر فتم ما أراده القاضي.
وفي عهد السلطان قابوس سيد النهضة العمانية منذ عام 1970، كان أول ما فعله هو مصالحة الثوار في ظفار من كانوا يختلفون كثيرا مع سياسة والده، وكان السلطان قابوس يقول للجميع:
“عفى الله عما سلف”، ويدعو كل شرائح المجتمع للهدوء والبناء وتصحيح المسار ونبذ الخلافات، فتمت المصالحة الوطنية وإنهاء حالات التمرد بأقل الأضرار في عام 1975م، ونفس الوقت وفي عصر الأطماع على النفط وصراع دول الخليج على تلك الحدود فيما بينها حتى اليوم، لم تنازع عمان الآخرين بالحقوق التاريخية مثلا لأرضها وامتدادها الشاسع في “ساحل عمان المتصالح” حتى البحرين، بل كانت محبة للخير تتمنى السلام والرخاء للجميع بعدما فكك الاستعمار حدودها في مدن الساحل المذكور، بل وأكثر من ذلك كانت عمان الداعمة الحقيقية للكيان المتحد حديثا كإمارات متصالحة في عام 1970م، من أجل استقرار المنطقة بعدما عانت تلك المدن من نزاعات وقرصنة وشتات وتناحر.









وأما في قضايا العرب وفلسطين خاصة، كان جلالته في كل أعياد السلطنة الوطنية ينبذ الاحتلال الصهيوني ويدعو للحق الفلسطيني في أرضه، مع دعمه الكامل لكل محاولات السلام بين الطرفين، كما أن السلطنة وقفت أمام الحرب الإيرانية والعراقية موقف المصلح لسعيها جاهدة في تقريب وجهات النظر بين الطرفين، كما أنها كانت من أوائل الجيوش المحررة للكويت إبان الغزو العراقي بعد نفاذ كل محاولات الصلح التي حاولت كذلك إرساءها، وفي القضايا العربية والعالمية جميعها كانت عمان ولا تزال صاحبة الرسالة السامية لنبذ الخلافات وإنهاء الصراع والحروب الكارثية في اليمن وسوريا وليبيا والعراق والتهدئة في الخلافات الأمريكية الإيرانية بالملف النووي، وكذلك اتجاه كل الأزمات الدولية والإقليمية، وما هذا إلا امتداد حضاري خالص يمارسه العمانيون على مر العصور والأزمان.

المراجع:
– الدور العماني في وحدة الأمة، بقلم مجموعة من الباحثين، تحرير أ.د. وليد فكري فارس، عثمان محمد عثمان، صالح بن سليمان الزهيمي، سلطان بن مبارك الشيباني، ذاكرة عمان – سلطنة عمان – الطبعة الأولى 2016م.
– عمان عبر التاريخ، الشيخ سالم بن حمود السيابي، وزارة التراث والثقافة – سلطنة عمان – الطبعة الخامسة 2014م.


*صورة الخبر للمصور الراحل عمان العدوي

Your Page Title