عبد الرزّاق الربيعي يكتب: كذبة الصائم في أبريل

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير – عبدالرزّاق الربيعي

يمكننا عدّ الأول من أبريل من الأيام الاستثنائية في السنة الميلادية، فهو يجمع أكثر من مناسبة، ففيه كان البابليون يحتفلون برأس السنة البابلية الآشورية، وحلول فصل الربيع وتفتح الأزهار، وبدء دبيب الحياة في الحقول الزراعية وخصوبة الأرض، وكذلك تتويج ملوك بابل، هذا العيد يسمّى (أكيتو) الذي مضت عليه (7323) سنة حسب التقويم السومري و(6773) حسب التقويم البابلي الآشوري في منطقة بلاد النهرين الذي ابتدأ قبل حوالي 3000 عام ق. م.

وتستمر الاحتفالات التي تقام في المعبد البابلي على مدى 12 يوما، وبذلك يعتبر (أكيتو) من أقدم الأعياد التي عرفتها البشرية، إذ يعود إلى السلالة البابلية الأولى، وبقيت الاحتفالات مستمرة حتى حدث تغيير جوهري في القرن السادس عشر الميلادي عندما انتقل الاحتفال برأس السنة من الأول من أبريل (نيسان) إلى الأول من يناير (كانون الثاني) بعد أن تمّ اعتماد الدول الكاثوليكية في أوروبا التقويم الغريغوري، أو كما يعرف بالتقويم الميلادي، الذي يبدأ بميلاد السيّد المسيح (ع)، غير أنّ هناك أشخاصا لم يرق لهم التغيير، فواصلوا الاحتفال القديم بعيد رأس السنة الجديدة في الأول من أبريل، فجوبهوا باستهجان كبير، وصار البعض يسمّيهم (حمقى أبريل)، ومن باب السخرية منهم، نشروا أكاذيب، ومن هنا، ظهر تقليد عالمي جديد اسمه (كذبة أبريل)، وصار موعدا يضرب لخفيفي الدم بهذا اليوم من كل عام، فيحلو لمن يميل من الناس للمزاح ويمتلك حس الدعابة مع أصدقائه إطلاق كذبة، غالبا ما تكون معلومة لا يصدّقها العقل، ولا تخطر ببال أحد، لكنها تنطلي على البعض، وكلّما كانت المسافة بين الكذبة، والمنطق واسعة، بدت أكثر طرافة.

وقد عملت الكثير من الصحف العالمية مقالب بقرّائها، والإذاعات لمستمعيها، بعد نشر أخبار كاذبة، ظنّها القرّاء، والمستمعون حقائق، وخاصة تلك الأخبار التي تعتمد على التفاعل المجتمعي، ولعل أطرفها، حين أعلنتْ إذاعة بي بي سي في عام 2018 م أنّ ساعة (بيغ بن) ستدخل العصر الرقمي، وستستغني عن عقاربها، وستكون من نصيب المتّصل الأول بالإذاعة، وفوجئت الإذاعة بكمّ هائل من المتّصلين الذين يطمعون بالحصول على عقارب ساعة (بيغ بن)، وكانت خيبتهم كبيرة عندما علموا أن الخبر ليس أكثر من مزحة، أطلقتها الإذاعة في (يوم الكذب العالمي)، وواصلت ساعة (بيغ بن) دقّاتها بموعدها، وبقيت عقارب الساعة في مكانها، أمّا المستمعون، فقد اكتشفوا أنهم وقعوا ضحية مقلب اسمه (كذبة أبريل)، صنعته الإذاعة لتختتم اتصالاتهم بقهقهات، وهذا النوع من المزاح، لا يعني أنّ الكذب مباح دون بقيّة أيّام السنة، فالكذب كذب، وهو من الكبائر في الديانات السماوية الثلاثة، والأديان الأخرى، وإن وضعوا له ألوانا، كما فعلوا مع تسمية (كذب أبيض).

ومن الغريب أن (كذبة أبريل) غطّت على العيد الذي إلى اليوم حاضر في وجدان الأخوة المسيحيّين في العراق من آشوريين وسريانيين، وكلدانيين لارتباطه بجمال الطبيعة، باعتباره مناسبة ترتبط بطقوس دينية قديمة، وبالأمس -السبت الذي وافق الأول من أبريل– نشر مرتادو مواقع التواصل الاجتماعي التهاني للأخوة المسيحيين بهذا العيد، فيما انزوت (كذبة أبريل) جانبا، فكون المناسبة الطريفة جاءت في شهر رمضان، فلم تترك مجالا للكذب، ولو كان لونه أبيضًا، فالكذب عدّ “رأس كل خطيئة” وهو من ضعف الإيمان، وجاء في الأثر الشريف” إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار” حتى لو كان على سبيل المزاح، فكيف يكون الحال، ونحن في الشهر الفضّيل، ولو عن طريق المزاح، الذي كثرته تُذهب بالهيبة، كما ذكر أجدادنا في أدبيّاتهم، لذا مرّ الأول من أبريل بدون مقالب، لكي لا يتعوّذ صنّاعها بالشيطان والإسراع بترديد: إنّي صائم!

وكلّ (أكيتو) والناس، والأرض، والطبيعة بألف خير

Your Page Title