لما وقعت الفتنة، وافترقت الأمة، وصار الملك إلى معاوية بن أبي سفيان، لم يكن لمعاوية في عُمان سلطان. حتى صار الملك لعبد الملك بن مروان، واستعمل الحجاج على أرض العراق. وكان ذلك في زمن سليمان وسعيد ابني عباد ابن عبد بن الجلندى، وهما القيمان في عُمان. فكان الحجاج يغزوهما بجيوش عظيمة، وهما يفضان جموعه، ويبيدان عساكره في مواطن كثيرة، وكان كلما أخرج إليهما جيشا هزماه، إلى أن خرج عليهما القاسم بن شعوة المزني في جمع كثير وخميس جرار، فخرج القاسم بجيشه حتى أنهى إلى عُمان في سفن مثيرة فأرسى سفنه في ساحل قرية من قرى عُمان يقال لها حطاط، فسار إليه سليمان بن عباد بن الأزد فاقتتلوا قتالا شديدا، فكانت الهزيمة على أصحاب الحجاج وقُتل القاسم وكثيرا من أصحابه وقواده واستولى على سوادهم.
فبلغ ذلك الحجاج فأصابه هائل ثم استدعى مجاعة بن شعوة أخا القاسم وأمره أن يندب الناس ويستصرخهم وينادي في قبائل نزار حيث كانوا، ويستعينهم ويستنجدهم.
وأظهر الحجاج من نفسه غضبا وحمية وأنفه وكتب بذلك إلى عبدالملك بن مروان وأبعد وجوه الأزد الذين كانوا بالبصرة عن النصرة لسليمان بن عباد بن عبد فوجدت العساكر التي جمعها الحجاج وأخرجها إلى عُمان كانت أربعين ألفا. فأنهى القوم الذين خرجوا من البر فسار إليهم سليمان بسائر فرسان الأزد وأصحاب النجائب والتقى بهم عند الماء الذي دون البلقعة بخمس مراحل وقيل بثلاث مراحل، وهو الماء الذي بقرب بوشر الذي يقال له اليوم البلقعين فاقتتلوا قتالا شديدا فانهزم أصحاب الحجاج فأمعن سليمان في طلبهم وهو لا يعلم بشيء من عسكر البحر حتى انتهى عسكر البحر باليوتانه من جلفار فلقيهم رجل فاعلمهم بخروج سليمان بسائر العسكر للقاء القوم الذيم أقبلوا من جانب البر وأن الباقين مع أخيه شرذة قليلة فواصل مجاعة سير الليل بالنهار حتى وصل بركاء فنزل إليهم سعيد فقاتلهم قتالا شديدا حتى حجز بينهم الليل وتأمل سعيد عسكره فإذا هم في عسكر مجاعة كالشعرة البيضاء في الثور الأسود وقد قتل منهم من قتل ، فاعتزل من ليلته وعمد إلى ذرارى أخيه وذراريه فاعتزل بهم إلى الجبل الكبير وهو جبل بني ريام ويقال له الجبل الأخضر ويقال له رضوا بضم الراء ولحقه القوم.
فلم يزالوا محصورين حتى وافى سليمان وكان مجاعة أرسى سفنه في بندر مسكد فمضى إليها سليمان فأخرق منها نيفا وخمسين سفينة وانفلت الباقون في لحج البحر ومضى يريد عسكر مجاعة فتصور لمجاعة انه لا طاقة له بسليمان فخرج يريد البحر فالتقى هو وسليمان بقرية سمائل فوقعت بينهم صكة عظيمة فانهزم مجاعة ولحق بسفنه فركبها ومضى إلى جلفار. وكاتب الحجاج فأخرج له من طريق البر عبد الرحمن بن سليمان ومعه خمسة الآف من عنان بادية الشام وكان فيهم رجل من الأزد ولا يعلمونأنه من الأزد فهرب في الليل حتى نزل على سليمان وسعيد، فأعلمهما بذلك فاستشعروا العجز فحملا ذراريهما وسواداهما ومن خرج معهما من قومهما ولحقا ببلد من بلدان الزنج ، حتى ماتا هناك.
ودخل مجاعة عبدالرحمن والعسكر إلى عُمان، ثم إن الحجاج استعمل على اهل عُمان الخيار بن سبرة المجاشعي، فلما مات عبدالملك ولى من بعده ابنه الوليد بن عبدالملك ومات الحجاج، واستعمل الوليد على العراق يزيد بن أبي مسلم، فبعث يزيد سيف بن الهاني الهمداني عاملا على عُمان.
ولما مات الوليد بن عبدالملك وولى اخوه سليمان بن عبدالملك عزل العمال الذين كانوا على عُمان واستعمل عليها صالح بن عبدالرحمن بن قيس الليثي ، ثم أنه رأى أن يكون عمال عُمان على ما كانوا عليه فردهم وجعل صالح بن عبدالرحمن مشرفا عليهم. ثم ولى يزيد بن المهلب العراق وخراسان فاستعمل يزيد أخاه زيادا على عُمان فلم يزل عاملا عليها محسنا إلى أهلها حتى مات سليمان بن عبد الملك فولى عُمر بن عبدالعزيز فاستعمل عديا بن أرطأه الفزاري على العراق واستعمل عدي على عُمان عاملا فأساء السيرة فيها فكتبوا إلى عمر بن عبدالعزيز، فاستعمل عليهم عمر بن عبدالله الأنصاري فأحسن السيرة فيهم، فلم يزل واليا على عُمان، مكرما بين أهلها يستوفي الصدقات بطيبة أنفسهم حتى مات عمر بن عبدالعزيز، فقال عمر بن عبدالله لزياد بن المهلب: (هذه البلاد بلاد قومك، فشأنك بها ) وخرج عمر بن عبدالله من عُمان،وقام زياد بن المهلب في عُمان حتى ظهر أبو العباس السفاح وصار ملك بني أمية إليه.
من كتاب تاريخ أهل عُمان // تحقيق ونشر الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور
كتاب تاريخ أهل عُمان // تحقيق ونشر الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور