أخبار

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: الفنّان والجمهور؛ حبٌّ من طرفين

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- عبدالرزّاق الربيعي

في جلسة حوارية مفتوحة مع الفنّان صالح زعل أقيمت بمسندم، كنتُ مديرا لها، طلبت فتاة حضرت الجلسة برفقة أمّها العجوز الإذن بالحديث، وقالت بأنّ أمّها حرصت على حضور الجلسة رغم كبر سنها لترى الفنان الذي أسعدها كثيرا، وهو يؤدي أدوارا شاهدتها في التلفزيون، مثلما أسعد الجمهور، هذه الكلمات عنت الكثير بالنسبة للفنان صالح زعل الذي حيّا الفتاة وأمها بأحسن منها، فقد أسعدته، ومثلما يسعد الفنان الجمهور على الشاشة والمسرح والسينما يسعدونه بحفاوتهم ومحبتهم.
وفي كلّ زيارة لي لبغداد، ولقائي أصدقائي الفنانين، يكون أول سؤال عن الفنانة سعدية الزيدي التي تقيم في مسقط منذ أكثر من عشرين سنة، ورغم أنّها اعتزلت العمل الفنّي، منذ مغادرتها بغداد 2003م، لكنّها بقيت حاضرة في ذاكرة الفنانين والجمهور العريض، لأنها كانت على مسافة محبّة قريبة من الجميع، وعلى مدى حوالي أربعة عقود من العمل الفنّي، أدّت الكثير من الأدوار في السينما والتلفزيون والمسرح الذي أحبته كثيرا، وآخر مرة صعدت خشبة كانت بعد انتهاء عرض (مكاشفات) للمخرج غانم حميد والفرقة الوطنية للتمثيل وقدّم ضمن فعاليات مهرجان الدن العربي بدورته الثالثة 2018م، لتحيي فريق العرض، وتهديه باقة ورد، كانت تلك اللحظة مؤثّرة بالنسبة لنا جميعا، وبالتأكيد لها، فالفنانة المولودة عام 1939م التي وصفها الكاتب رفيق الصبان “شاهدت على المسرح راقصة بالية مذبوحة”، كان ذلك عندما شاهدها في عام 1981 في القاهرة، تؤدي دورها في مسرحية “حكايات الأرض والعطش والإنسان” للمخرج الراحل قاسم محمد، ويضيف “لأول مرة أشاهد أمّاً بحالات مخاض على خشبة المسرح، مخاض صعب يفوق الأمهات حين ترى ابنها شهيدا”، ومنذ مغادرتها بغداد واعتزالها العمل الفنّي، لأسباب خاصّة، ألقت عصاها في مسقط، لكنّ صورتها بقيت محفورة في أذهان محبّيها، ولم تأت هذه المحبّة من فراغ، فللفنان رسالة إنسانية يحملها أينما مضى، لذا يحبّه الناس، وهذه المحبة “كنز لا يفنى”، لقد شاهدت هذه المحبة تطفح من عيون رواد شارع المتنبي حين يشاهدون الفنان مقداد عبدالرضا وهو يقف أمام كتب يعرضها للبيع، ويسارعون إلى إلقاء التحية على الفنان الذي أدى عشرات الأدوار على المسرح والسينما والشاشة الصغيرة، كما يحرصون على التقاط الصور التذكارية معه، وفي كل ذلك رسائل محبة وامتنان، قد تأخذ مدى أبعد، كما جرى مع الفنان غنام غنام حين خاض مجموعة من الشباب مغامرة، غير محسوبة النتائج، عندما هرّبوه إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2017م ليزور المكان الذي ولد ونشأ به، ويمكننا تخيّل المخاطر التي كان يمكن أن يتعرّضوا لها لو كشف أمره، ولهذا عندما روى الوقائع التي جرت في عرض ” بأمّ عيني 1948 ” الذي قدّمه الفنان ضمن فعاليات ملتقى “المسرحيات القصيرة” الذي أقامه النادي الثقافي، في مسرح جامعة التقنية والعلوم التطبيقية في الخوير، أخفى أسماءهم حفاظا على سلامتهم، لقد دفعهم حبّهم للفنّان غنّام وفنّه الملتزم بقضايا الشعب الفلسطيني، إلى خوص تلك المغامرة، لقد أبهرهم وهو يقدم عرضا في عمّان حمل عنوان “سأعود إلى المنفى”، فغامروا، لأن الفنان صوت الناس، وحامل رسالة، فهو قريب من نبضهم، يعبّر عن آمالهم، فيجعل من فنه مرآة عاكسة لقضاياهم، وعندما يتحول العمل الفني إلى مرآة تعكس معاناة الإنسان، فإن الفنان يكون قد قال كلمته وأدّى رسالته، على أكمل وجه.
العلاقة بين الفنّان وجمهوره مبنيّة على التقدير، والمحبّة، وكلما كان الفنّان قريبا من الجمهور، يقابله بمحبّة أكبر تجعل المسؤوليّة التي تقع على عاتق الفنان أكبر، وتعطيه حافزا لتقديم المزيد، فيبقى حاضرا في وجدانه حتى بعد رحيله عن هذا العالم، فهي علاقة حب من طرفين.


Your Page Title