الدور العُماني في نشر الإسلام في القارة السمراء‎

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

 

أثير – تاريخ 

 

تشير الوثائق التاريخية مجتمعة إلى أن قمّة الدور الحضاري الذي أسهم به العُمانيون في القرن الماضي في زنجبار كان في مجال الدعوة الإسلامية التي كانت تمثّل حجر الزاوية والأساس والمنبع الذي جاء في ركابه الإسهام العُماني في شتى المجالات الحضارية لا سيما الثقافية والفكرية  في شرق إفريقيا.

 لقد شهدت فترة البوسعيديين في هذه المنطقة مرحلة مهمة من مراحل انتشار الإسلام، حيث أشرق نور هذا الدين لأول مرة في داخلية البرالإفريقي واستشرف آفاقا جديدة في ربوع أوغنده، وأعالي نهر الكونغو( زائير حاليا)، وفي رواندا، وبوروندي، وتنجانيقا( البر التنزاني حاليا)، ومنطقة نياسا ( ملاوي حاليا)، وزامبيا وموزمبيق، ففي ذلك العصر أصبحت زنجبار المركز الذي ينطلق منه إشعاع الإسلام للقارة السمراء منذ أن اتخذها السيد سعيد بن سلطان حاضرة الحكم العُماني في شرق إفريقية عام 1832م.

لقد انتشر الإسلام وتوغّل إلى المناطق التي أشرنا إليها سابقاً عن طريق القوافل العُمانية القادمة من زنجبار والمدن الساحلية الأخرى  في طريقها للبحث عن مجاهل القارة الافريقية، إذ  إن التجار العُمانيين إلى جانب نشاطهم التجاري كانوا يقومون بالدعوة إلى الإسلام سلماً، وبالأخص بعد حادثة اكتشاف طريق جديدة في أواخر عهد السيد سعيد بن سلطان وتحديدا في عام 1852م تربط الساحل الشرقي للقارة بساحلها الغربي عبر بحيرة تنجانيقا، فوصلت في هذا العام أول قافلة من زنجبار إلى بنقويلا في الساحل الغربي الأفريقي المُطل على المحيط الأطلسي.

ومن أهم الرواد العمانيين الأوائل في مجال الدعوة إلى الإسلام في أوغندا الشيخ أحمد بن إبراهيم العامري الذي يرجع له الفضل في دخول الإسلام إلى أوغندة، فلقد سجل التاريخ وتحديدا مذكرات أمين باشا وصول الشيخ إلى بلاط الملك سُنا في عام 1843م، حيث تشير المصادر التاريخية إلى المواقف الشجاعة  للشيخ في البلاط الملكي اتجاه بعض الممارسات الهمجية والوحشية كقتل وسفك دماء الأبرياء من رعايا الملك قربانا للآلهة تماشيا مع متطلبات وطقوس الديانة الوثنية الإفريقية التي كان يعتنقها أهل أوغندا وعلى رأسهم الكباكا (الملك).

 فلقد حدث وأن أصدر الكباكا ذات مرة أمرا بالقيام بهذه المذبحة، فما كان من الشيخ العامري إلا أن وقف وتحدى الكباكا وسط دهشة الحاضرين مخاطبا ومعاتبا إياه قائلا: ” مولاي إن هؤلاء الرعايا الذين تسفك دماءهم كل يوم بغير حق إنما هم مخلوقات الله سبحانه وتعالى الذي خلقك وأنعم عليك بهذه المملكة”. وازدادت دهشة الحاضرين أكثر برؤية ملكهم متمالكا لأعصابه وهو يرد عليه بأن آلهته هي التي منحته هذه المملكة، ولكن الشيخ أحمد استمر يحاور الملك في ثبات عن فكرة توحيد الله وإنه هو الواحد الأحد الخالق لهذا الكون وما حواه بالأدلة والمنطق وما يؤمن به العقل المتزن الموحد لدين الله، وقد أدى كلام الشيخ أحمد إلى فتح عقل وقلب الكباكا وطلب منه أن يعلمه هذا الدين الذي لا مكان فيه للشرك وعبادة وتقديس الأفراد والأوثان، فاستجاب الشيخ أحمد لمطالب الكباكا وعلمه الدين بكل صبر وتأن مركّزا على مسألة التوحيد والحياة والبعث والثواب والعقاب في الدنيا والآخرة.

وهكذا تعلم الكباكا مبادئ الدين الإسلامي وقراءة القرآن عن طريق الشيخ أحمد قبل وفاته في عام 1856م، وبهذه الخطوة الشجاعة المباركة انفتح الباب على مصراعيه لدخول وانتشار الإسلام في أوغندا والمناطق المجاورة على يد هذا التاجر العماني.

ولعل الصحوة الإسلامية الشاملة التي سادت أوغندا في عهد الملك موتيسا الأول (1856-1884م)، يُظهر متانة ذلك الأساس العقائدي الذي وضعه الشيخ العامري ومن أتى بعده من التجار العمانيين، فقد أبدى موتيسا حماسا منقطع النظير للإسلام ، وعمل على نشره ليس في مملكته فحسب، بل تعداها إلى الممالك المجاورة عندما كتب إلى كاباريجا ملك بنيورو داعيا وناصحا له بالدخول في الإسلام، وإصدار توجيهاته إلى سكان الأقاليم باعتناق الدين الإسلامي وإقامة شعائره وتشييد المساجد. ولقد حظي التجار العمانيين في عهده بمكانة مرموقة حيث اتخذ الكثير منهم مستشارين له كما تبادل الرسائل والهدايا مع سلاطين زنجبار، وليس هذا فحسب وإنما أدخل ولأول مرة العمل بالتقويم الهجري، وأمر زعماء القبائل بالتحلي والالتزام بالآداب والأخلاق الإسلامية في المعاملات اليومية والاجتماعية.

ولا ننسى في هذا المقام الدور العظيم الذي قام به الشيخ العماني خميس بن جمعة الذي أسلم على يديه الملك موتيسا، والدور الذي قام به الشيخ عبدالرحمن بن عبيد بن حمود الذي كان مندوبا شخصيا للسلطان برغش بن سعيد سلطان زنجبار في بلاط الملك كاباريجا عاهل بنيورو وكان أيضا من مستشاريه المقربين، وقد قام هذا الشيخ بجهد واضح في مجال الدعوة الإسلامية عن طريق إقامة المساجد والكثير من أعمال الخير والدعوة إليها.

وتشير مصادر جمعية الكنيسة التنصيرية إلى عدد من التجار العمانيين الذين تزعموا الحركة الإسلامية وقاموا بمحاربة نشاط الإرساليات النصرانية في أوغندة في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ميلادي  كالشيخ سليمان بن زاهر الجابري ومعاونوه التجار مسعود بن عبيد، وسعيد بن سيف، وصالح بن سالم وغيرهم.

ولا يفوتنا في هذا السياق كذلك أن نشير إلى الدور الريادي الذي قام به ذلك التاجر العُماني الذي انحنت له الكثير من الرؤوس العظام واشتهر بكونه الزعيم والقائد الذي لا يقهر، وهو حميد بن محمد المرجبي (تيبوتيب) الذي استخدم قوته ونفوذه تلك هو ومعاونه الشيخ محمد بن خلفان البرواني في تمكين الوجود العربي العُماني في قلب القارة الإفريقية، فأسسا إمارة عربية إسلامية في أعالي الكونغو وأخضعاها لحكم سلطان زنجبار بعد أن رفعا عليها علم السلطان.

ولعل من أهم ما قيل عن دور العمانيين في نشر الإسلام الذي جاء نتيجة لنشاطهم التجاري في الكونغو: إنهم لم يستخدموا ضغطا سياسيا، ولا قهرا على المواطنين، ولم يفرضوا عليهم حضارتهم ولا دينهم ولكنهم حققوا بشكل سلمي كسبا دينيا بجانب كسبهم الاقتصادي، حيث أنهم وعلى الرغم من تفوقهم عليهم في جميع نواحي الحياة لم يعاملوهم لا بتكبر ولا باستعلاء، وكانوا مدرسة في الأمانة بمعاملاتهم التجارية ناهيك عن ابتعادهم عن التعصب العرقي والنظرة الدونية اتجاههم، إضافة إلى سيادة روح التسامح بينهم إذ لم ينكر الإسلام عليهم عاداتهم ولا تقاليدهم الاجتماعية سيما في مسألة تعدد الزوجات.

لقد صنع العمانيون تاريخاً مجيداً في شرقي افريقيا، فآثاره ومعالمه وتأثيره الحضاري لا يزال باقياً حتى الآن ، ويكفيهم شرف المساهمة في نشر الإسلام بين العامة والملوك وزعماء القبائل بجانب دورهم السياسي في نشر الثقافة العربية العمانية التي بقيت أبد الدهر عنصراً أساسياً من العناصر المكونة للهوية الزنجبارية والأفريقية بشكل عام.

 

المرجع : الريامي، ناصر بن عبدالله. زنجبار شخصيات وأحداث ( 1828- 1972م)، دار الحكمة، لندن، 2009م.

Your Page Title