أخبار

قصة يوسف و”الباركنسون”: 10 سنوات من الحرب والمُعاناة مع مرض الشلل الرعاشي

مرض الباركنسون

أثـيـر - مـحـمـد الـعـريـمـي

35 عامًا عاشها يوسف بن يحيى البوصافي وهو في رغد الصحة والعافية، إلا أن عامه الـ 36 لم يمرّ حاله كحال أعوامه السابقة، حيث أعلن مرض الباركنسون حربه على جسد يوسف بأسلحته -جسده وعقله- فأنهكه وصعّب حركته وأدخله في دوامة الضغوط النفسية.

شدتّنا عبارة ”أيقنت أن خير وسيلة لمقاومة مرض الباركنسون هي دراسة خباياه“ على حساب يوسف الشخصي في وسائل التواصل الاجتماعي فتواصلنا معه لمعرفة قصته مع مرض ”الباركنسون“.

قبل أن نخوض في قصة يوسف مع المرض وضّح لـ ”أثير“ بأن ”الباركنسون“ تنقسم أعراضه إلى جزأين؛ الأول الرعاش والثاني صعوبة الحركة مع تصلب العضلات، ويصنف ثاني مرض بعد الزهايمر لم يُكتشف لهما العلاج النهائي إلى الآن، ويُعد من أغرب الأمراض وأزعجها ويحيط المصاب بالكثير من الغموض ويصل لوضعية لا يستطيع فيها وصف دقة ما يشعر فيه.

ومع معاناته التي استمرت لـ 10 سنوات يقول لنا يوسف بأن الباركنسون مرض عصبي وأكثر تأثيراته المزعجة هي الجوانب النفسية والحسية والبصرية، وخطورته تتمثل في تطوره إلى مراحل متقدمة منها وقوع المصاب المتكرر وتعرضه لإصابات متعددة وتصل إلى كسور في مختلف أجزاء الجسد وغيرها من المضاعفات.

كان يوسف وهو في الثلاثينيات من عمره يعيش حياة سعيدة وهانئة برفقة عائلته وزوجته وأبنائه، إلى أن شعر في عام 2012م بالإمساك والالتهابات في المعدة؛ كانت هذه المؤشرات الأولية للمرض قبل أن يتمكّن من يوسف ويستهدف أعضاء جسده في عام 2013م ؛ تنمل في الأيدي والأرجل والرقبة وصعوبة في الحركة وثقل في اليد والرجل الأيسرين، متسائلًا هل هي أعراض عرضية أم بلاء تزفه الأقدار؟!

يوسف مع ابنه

لم يطمئن يوسف من الأعراض فتلك الأعراض كانت أكبر من أن تُحتمل ليعدها أعراضا عابرة؛ فقصد جمهورية الهند في عام 2015م وصُدم بأنه مصاب بمرض الباركنسون وهو في عمر الـ 37 عامًا، فُجع يوسف بالخبر، فهو الآن مصاب بمرض لا يعلم عنه شيئًا ولم يكن في حسابات محطات حياته القادمة ولا توقعاته.

رفض يوسف التشخيص وتناول الأدوية بسبب ”أسلوب الطبيب وطريقة حديثه الصادمة له“ وشعر حينها وكأن العالم يرفض التعامل معه بإنسانية، فدخل إلى دائرة الضغط النفسي والاستفزاز من أبسط طرق الحوار حول أي موضوع في تلك اللحظة، وبعد ساعات ثقال وأيام صعاب بدأ صوت يوسف يعلو على أخيه وزوجته وهي ليست من عاداته، إلا أن ”الباركنسون“ وتأثيراته انتحلت عادات يوسف!

لم تكن حياة يوسف أثناء المرض كحياته السابقة؛ فالمرحلة ليست سهلة، تخيل أن تُفكر ببرنامج الساعات اليومي وتتساءل إذا ظهرت الأعراض بشكل سريع، خصوصًا أنها أعراض تصل أحيانا لدرجة تجعله يحتاج إلى من يعينه للقيام بأبسط الأعمال الشخصية.

كان لا بد ليوسف أن يتعايش مع الباركنسون وألا يفسح له المجال للسيطرة عليه ويقبع في ظلماته دون ”حلول“ وأول الحلول التي وجدها هي الخروج من المنزل وممارسة الحقوق والواجبات له وليس عليه، فمع بداية ظهور الأعراض أصبح يقوم بتغيير فكره وإخراجه من وضعه الحالي من خلال القيام ببعض الأعمال المنزلية والرياضة، والتواصل مع مجموعة من مرضى الباركنسون من أجل التحفيز، ويُمارس رياضة المغامرات الجبلية والخروج مع أخوته وأصدقائه.

تيقن يوسف بضرورة الحصول على المعلومة الصحية حول مرض الباركنسون ليُقاوم المرض ويُحاربه ويُكمل حياته، فتثقّف حول أسباب ظهور الأعراض والأوقات وماذا يتطلب منه من جهد وحلول، وعلم أن ليس كل ألم أو أعراض تكون ناتجة عن المرض، وربما يكون مجرد عرض بسيط وأقرب الحلول للتعامل معه يكون من خلال الخروج من المنزل أو ممارسة بعض الأعمال، وهو مؤمن بأن ”الثبات في أول الخطوة في وجه هذا المرض يعد أسلوبا يحفز المصاب على التقدم إلى خطوة أخرى“.

اليوم يوسف بعمر الـ 48 عامًا، ولم تكن رحلته مع المرض المُمتدة لقرابة 10 سنوات سهلة، فما بين الأعراض الأولية وزاوية الغموض ودوامة الضغوط النفسية، فقد تعلّم الكثير بعكس السنوات التي عاشها قبل اكتشاف المرض كان يعيش رغد عطائها من لهو ومرح وغيرها من مختلف متع الحياة، إلا أن للمرض غايات متعددة وأوجها تختلف معه الظروف التي تُحيط بالمصاب، فتعلّم ”أن للصبر قيمة“.

يوسف بن يحيى البوصافي

وبعد مرضه عدّ يوسف البلاء قيمة ربانية عظيمة يستشعر فيها بكل جزء من الثانية التي تمر عليه مع هذا المرض، والحزن والألم في أعين عائلته وكلمات أحبته كلها وجميعها بمثابة الوقود الذي يقوي من عزيمته وثباته على مبدأ الثقة واتباع النهج الذي رسم معالمه ليُقلل من سرعة تطور المرض وأعراضه.

ومن رحم المعاناة راودت يوسف فكرة تأليف كتاب يتعلق بالمرض، ليكون فائدة لمرضى الباركنسون ومرجعًا للجميع، يتحدث عن رحلة مقاومته لهذا المرض وما اكتسبه من دعم مكّنه من توفير غطاء معلوماتي يسعى إلى توثيقها منذ عام 2018م، وبعد أن وصل إلى مراحله الأخيرة يبحث عن أحد المختصين في هذا المجال ليضع عليه خبرته لتنظيمه وإخراجه.

هذه القصة فصل من فصول قصة يوسف وليست النهاية، يقول في الختام عبر ”أثير“ “أعينوا مرضاكم من خلال الحديث معهم، أقنعوا نفوسكم أن تحقيق الحلم يبدأ من رؤية ضوء الشمس الدافئة فجرًا، وكحلم الطفل الرضيع الباسم، دعونا نبادر ”من أجلهم نبتسم“.

ندعو الله عز وجل أن يمدّ يوسف بالصّحة والعافية وأن يقوي من عزيمته، ويُشفي جميع مرضى المسلمين.

Your Page Title