أثير – تاريخ عمان
إعداد : نصر البوسعيدي
في الوقت الذي كانت فيه النساء بمنطقة الخليج لا ذكر لهن إلا بالشكل اليسير جدا في مجتمع ذكوري عربي شرقي يميل أغلبه إلى طابع البداوة، كان لنساء عمان حضور قوي في المجتمع العماني المتمدن بحضارته وفكره وتاريخه.
وهناك أسماء عديدة لامعة في تاريخ المرأة العمانية ومجدها كالفقيهة العالمة الشيخة عائشة الريامية في عهد اليعاربة وغيرها، وقد تناول هذا الموضوع المهم بتعمق الباحث والأستاذ سلطان الشيباني من خلال كتابه (معجم النساء العمانيات).
لقد حفظ لنا التاريخ ومن عاصر حكم مؤسس الإمبراطورية العمانية السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي الذي ولد في عام 1791م، بعض تفاصيل حياته الخاصة لا سيما حياة عائلته (زوجاته وأبنائه وبناته) حيث إن والده هو السيد سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي، الذي تم اغتياله على يد القراصنة القواسم في شمال عمان بعد معركة غير متكافئة رفض فيها السيد سلطان الهرب وترك أصحابه في القارب الذي كان يحملهم بعيدا عن السفينة الأم بغرض التجوال في تلك الأنحاء، فقاومهم وقتل منهم العديد حتى تم اغتياله برصاصة غادرة.
أما والدته فهي السيدة غنية بنت سيف بن محمد بن سعيد البوسعيدية التي عاشت معمرة وشهدت مجد وقوة ابنها السيد سعيد حتى وفاته وهو عائد إلى زنجبار بعدما ودعها الوداع الأخير ومات في سفينته.
ومما لا شك فيه بأن السيد سعيد بن سلطان رحمه الله الذي تولى الحكم في عز شبابه بعدما حفظته له عمتهم السيدة موزة بنت الإمام أحمد بن سعيد التي حكمت عمان مؤقتا لتحفظ حق أبناء أخيها في الحكم لكلا ينتزعه منهم أعمامهم، فحاربتهم من أجل ذلك لإخلاصها لأخيها السيد سلطان ولنظرتها العميقة جدا لشخصية السيد سعيد الذي بالفعل أصبح من أقوى وأشهر سلاطين عمان عبر التاريخ وخلف ذرية كبيرة يقول بعضهم بأن عددهم وصل إلى 120 ولدا وبنتا من زوجات عديدات عربيات وجورجيات وشركسيات وغيرها من جنسيات.
حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن السيد سعيد قد تزوج في حياته بعض النساء المعروفات بمكانتهن كالسيدة عزة بنت سيف بن الإمام أحمد، وتوفيت في زنجبار بعد وفاة السيد سعيد بن سلطان بفترة قصيرة.
وحفيدة شاه إيران فتح علي شاه التي تزوجها في عام 1827م، على شرط أن تذهب في كل عام إلى موطنها في فصل الربيع، وفي عام 1832م، قررت ألا تعود من إيران بسبب خصام وشجار حدث بينها وبين ابن زوجها السيد خالد فانفصلا وانتهت هذه الزيجة بعد 6 سنوات.
وشهرزاد بنت أريش ميرزا محمد شاه كذلك حفيدة حاكم إيران التي تزوجها في عام 1837م، وكانت جميلة جدا وقدمت إلى زنجبار مع حاشيتها في عام 1849م، وهناك في بيت زوجها السلطان رفضت ارتداء الحجاب وكانت مغرمة بالصيد وركوب الخيل، ولا ترتدي إلا الملابس التي يصممها مصمم الأزياء الخاص بها.
وقد أغرم بها السيد سعيد وحاول جاهدا أن يوفر لها كل سبل الراحة فبنى لها بزنجبار قصرا بحمامات فارسية خاصة واصطبلات للخيول التي تحبها، كما أنه بنى لها حمامات فارسية مجهزة في أماكن الصيد التي ترتادها بمنطقة كيجشي وكيزمباني، ولكن بعد مدة ليست بالقصيرة من هذا الزواج ضاق السيد سعيد بتصرفاتها وحينما ذهبت إلى إيران لزيارة أبيها الحاكم بعث لها السيد ورقة طلاقها لينفصلا نهائيا وللأبد.
وهناك امرأة أخرى كان قد طلب السيد سعيد يدها للزواج في عام 1833م، لكنها رفضت ذلك وهي أميرة مدغشقر رانكفولانا مانجاكا.
ولأن موضوع بعض تفاصيل عائلته وذريته مجهولة لدى الكثير ، فقد أرتأيت هنا تسليط الضوء عن سيرة حريم القصور السلطانية في زنجبار وتحديدا بناته من بلغ عددهن 19 بنتا حفظت كتب التاريخ بعضا من سيرتهن وهن كالتالي :
1 – السيدة زوينة:
تعد أكبر بناته، وولدت في مسقط، وتزوجت والي الرستاق السيد سعود بن علي بن سيف بن الإمام أحمد، لكنه اُغتيل في عام 1832م، فانتقلت للعيش في زنجبار ببيت المتوني حتى وفاتها بعهد حكم أخيها السيد برغش وهي بعمر الثمانيين، وتبعها ابنها الذي مات بعدها بفترة قصيرة.
2 – السيدة ريا:
هي الأخت الشقيقة لزوينة، ولدت كذلك في مسقط وتزوجت السيد محمد بن سالم وانتقلا إلى زنجبار، وقد أنجبت لزوجها 12 ابنا لكنهم جميعا ماتوا وهم أطفال، وقد ماتت في عهد حكم السيد حمود بن محمد بن السيد سعيد وعمرها 90 عاما.
3 – السيدة شريفة:
ولدت من أم غير عربية بل من أصول شركسية ، وكانت هي المستشارة المقربة من أبيها لذكائها وفطنتها وحكمتها، وكان السيد سعيد لا يسافر إلا وهي معه حتى توفيت في عهد أبيها الذي حزن عليها حزنا شديدا، ولم تخلف إلا ابنا واحدا من زوجها.
4 – السيدة شيخة:
عُرف عنها واشتهرت بتدينها الشديد وزهدها في الحياة، وماتت في فترة حكم السيد حمود بن محمد.
5 – السيدة عائشة:
وهي من أم شركسية، وقد ولاها أبوها السيد سعيد شؤون حريم القصر لمقدرتها الفائقة في حل النزاعات وإنهاء أي خلاف ينشب بينهن، وكانت مغرمة بتربية أطفال العائلة وخاصة أختها نونو وسعود ابن أخيها هلال، وقد ماتت في عام 1886م في عهد حكم السيد خليفة بن سعيد.
6 – السيدة خولة:
ولدت من أم آشورية عراقية كانت بغاية الجمال حتى لقبها السيد سعيد بنجم الصباح، وقد كانت السيد خولة كوالدتها من أجمل سيدات القصر، وكانت من أميز بنات السيد في قوة شخصيتها وحسن إدارتها، وحينما مات والدها انحازت للسيد برغش الذي كان ينافس أخاه ماجد لحكم زنجبار ولكنه فشل، كما أنها رفضت الزواج رغم العدد الهائل الذي تقدم لخطبتها وتفرغت لنفسها ولتربية أخيها الصغير عبدالعزيز الذي ماتت أمه بعد وفاة أبيه السيد سعيد بفترة قصيرة، وتوفيت السيدة خولة في عهد حكم السيد برغش بن سعيد بعام 1875م.
7 – السيدة خديجة:
كانت من أم شركسية الأصل واعتنت بأخوتها كثيرا وخاصة شقيقها السيد ناصر الذي ماتت أمه وهو في المهد، وفي أيام حكم السيد برغش ذهبت إلى مكة برفقة أخيها ناصر لأداء مناسك الحج، فقدر الله أن يفارقا الدنيا سويا بالديار المقدسة، فالسيدة خديجة ماتت بالمدينة وشقيقها ناصر مات في مكة بعد أيام قليلة من وفاتها.
8 – السيدة مياء أو ميه:
هي الأخت الشقيقة للسيد برغش وحاولت جاهدة أن تمنع برغش من محاربة أخيهم ماجد لنيل حكم زنجبار بعد وفاة أبيهم، وقد ماتت في عام 1906م بمقاطعة كيبوندا.
9 – السيدة شوانه:
كانت رقيقة القلب وهي شقيقة السيد علي، واشتهرت بكرمها وعدلها وميلها لمناصر أخيها السيد ماجد أثناء حكمه ضد برغش.
10 – السيدة زينة:
ولدت في مسقط وانتقلت بعدها إلى زنجبار، وكانت عطوفة جدا على الفقراء كريمة معطا وماتت وهي شابة في عهد والدها.
11 – السيدة زمزم:
كانت أغنى أخواتها، واشتهرت بمعاملتها الحسنة جدا لوصيفاتها الكثيرات وتزوجت من السيد حمود بن أحمد ابن خال أبيها السيد سعيد والذي كان يحبها كثيرا حتى وفاته.
وقد لعبت هذه السيدة دورا مهما في تحريض ابن أخيها السيد خالد بن برغش لنيل حكم زنجبار، ولكنه فشل وتم نفيه فحزنت عليه حزنا شديدا وخاصمت جميع أخوتها وأخواتها من أجله ورفضت أي مخصصات مالية من قبل حكومة زنجبار، وأرسلت العديد من خدمها ليساعدوا خالد في المنفى، وظلت على هذا الحال حتى وفاتها.
12 – السيدة مثلى:
وهي شقيقة السيد غالب، وكانت ثرية وتزوجها ابن خال أبيها وهو السيد محمد بن أحمد في عام 1865م، وأنجبت منه عددا من الأبناء أشهرهم عبدالله وهلال، ولقد كانت السيدة مثلى تؤيد أخاها برغش ضد اخيهما ماجد في الصراع على السلطة، وبعد وفاة زوجها، تزوجت مرة أخرى بشاب يصغرها في السن ولم تنجب منه حتى وفاتها عام 1932م.
13 – السيدة نونو:
ولدت ضريرة في زنجبار من أم كان يلقبا السيد سعيد بتاج لشدة جمالها، ولقد ماتت السيدة نونو وطفلها بين ذراعيها غما وحزنا وكمدا حينما علمت بأنها أنجبته ضريرا، وقد اهتمت شقيقتها عائشة بتربية طفلها من بعدها.
14 – السيدة سالمة:
ولدت من أم شركسية في عام 1844م، وكانت تميل بشكل كبير لشقيقتها خولة، فقد وقفت في بدايات الأمر مع أخيها برغش في حربه مع ماجد ليحكم زنجبار لتأثرها بآراء خولة، وبعد فشل برغش بذلك وسجنه قامت السيدة سالمة وخولة بإطلاق سراحه ليعود مرة أخرى لمهاجمة أخيهما ولكنه فشل للمرة الثانية وتم نفيه من زنجبار، وبالنسبة لماجد فقد أصفح عن شقيقاته وعادت علاقتها به بشكل جيد.
وبعد وفاة أبيها وأمها عاشت سالمة في المنزل لوحدها وهي ابنة ال16 عاما في ظل صراع العائلة على السلطة، فلم تحظ بالرقابة ومن يهتم بسلوكها وتربيتها، حتى وقعت في حب شاب ألماني كان مجاورا لمنزلها فقررت فيما بعد الهرب معه للعيش في ألمانيا والزواج منه وتم لها ذلك فيما بعد مما تسبب بأن يعاديها أخوتها السلاطين خاصة السلطان برغش بعدما حكم زنجبار، فمنع عنها الميراث ولم يسمح لها العودة لزنجبار نتيجة فعلتها وتغيير دينها، وظلت طوال حياتها تعاني من الغربة خاصة وأن زوجها الألماني قد مات عنها بعد ثلاث سنوات فقط من زواجهما، وقد استغلتها الحكومة الألمانية بصفتها مواطنة ألمانية لتحقيق أطماع بسمارك في زنجبار بحجة المطالبة بميراثها من أخيها السلطان برغش والتي كانت عبارة عن مبالغ ومقاطعتي أوساجارا وويتو، فاضطر برغش للإذعان مؤقتا لذلك وحينما غادرت البوارج الألمانية تراجع عن تنفيذ المطالب وطرد شقيقته السيدة سالمة من زنجبار وأمر الجميع بعدم الترحيب بها وعقاب من يخالف أمره، فخرجت منها برفقة أطفالها الثلاثة وأشهرهم رودلف سعيد خائبة حزينة حتى وفاتها وهي بعمر الـ 82 عاما في سنة 1924م وهي آخر من مات من أبناء وبنات السيد سعيد بن سلطان.
15 – السيدة سويدو:
تزوجت من ابن عمها السيد عبدالله بن محمد المعروف بعبدالله كوامباني وانجبت منه طفلا وبنتا، وقد عاشت مع زوجها في ماليندي ميزينجاني حتى وفاتها.
16 – السيدة غالوجة:
تزوجت من ابن عمها السيد حمد بن سالم وعاشت كذلك في ماليندي ميزينجاني وانجبت طفلا اسمته سالم، وماتت وهي شابة في عهد حكم أخيها السيد برغش.
17 – السيدة شامبوعة:
لا يوجد عنها معلومات كثيرة، وما يعرف عنها أنها عاشت في ماليندي كيبوندا حتى وفاتها.
18 – السيدة ميرة:
سماها أبيها السيد سعيد بميره تيمنا باسم جدتها السيدة ميرة بنت الإمام أحمد بن سعيد مؤسس حكم أسرة البوسعيد في عمان، وقد ماتت في عهد حكم أخيها السيد برغش بزنجبار.
19 – السيدة فراشو:
لم يعرف عنها الكثير وقد عاشت مع أخيها السيد خليفة بن سعيد في كيبوندا حنى وفاتها.
رغم أن السيد سعيد بن سلطان قد رزق بذرية كبيرة من زوجاته وجواريه إلا أنه لم يُرزق بالنسبة للذكور شقيقان من أم واحدة، لذا لا عجب أن نرى أن أسباب نزاع أبنائه وصراعهم على السلطة بعد وفاته وانقسام امبراطوريته نتيجة عدم وجود ذلك الرابط الأسري المقدس بين الأشقاء إلا نادرا.
المرجع: الفارسي، عبدالله بن صالح، البوسعيديون حكام زنجبار، ترجمة محمد أمين عبدالله، سلسة تراثنا – الطبعة الخامسة 2015م، وزارة التراث والثقافة – سلطنة عمان.