إبراهيم أبو عواد – كاتب من الأردن
لا بد من تغيير وسائل إنتاج الذاتية الشِّعرية للحصول على ثقافة جماعية مُنْتَخَبَة تَحكم رؤيةَ المراحل الشعرية روحيًّا وجسديًّا، مما يؤدي إلى تكوين أنساق الهدم والبناء . هدمُ المدلول اللغوي المفرِط في العدمية والتجريدِ الأعمى ، وبناءُ تضاريس أشواق اللغة المقطَّرةِ ، والمنقوعةِ في ماء الثورة الدائمة . واللغةُ الشعرية هي رمزيةُ الأمكنةِ الإبداعيةُ ، وتنوعُ الأزمنةِ خارج أنساق الثقافات التقليدية . وإذا أردنا تكوين حُلم اجتماعي متمرد على النمطية الاستهلاكية ، فلا بد أن نؤرِّخ للشِّعر باللغات الذهنية ( الرموز الخيالية المسيطرة على الواقع ) القادمة من الحد الفاصل بين ثورة الروح السابحة ضد التيار ، وبين وجدانياتِ الألم الثوري الصاعق .
واللغاتُ الذهنيةُ هي إيقاعاتٌ فكرية طموحة ، وتنظيرٌ فلسفي للظواهر الاجتماعية الوظيفية ، وأنظمةٌ ثقافية متجسدة في الصياغات المتعددة للفكر الشِّعري ، وحُلمٌ بالثورة على مجتمع الكراهية المبني على الإقصاء، والشططِ الطبقي، والتمييزِ العنصري. وهكذا تتكرس اللغاتُ الذهنية كحركة تصحيحية تدفع القصيدة إلى رفض المتاجرة بأمكنة الزمان الشعري . فالقصيدةُ لا تُساوِم ولا تُهادِن مُطْلقًا . وهذا مرجعه إلى تمركز الشِّعر كمجتمع مثالي ذهني على علاقة وثيقة بالتنظيم العقلاني للفاعلية اللغوية المناوئة لسياسة الترقيع ، وأنصافِ الحلول .
إن الشِّعر _ باعتباره فِعلًا اجتماعيًّا مبنيًّا على التأسيس اللفظي لعوالم المعنى _ هو الدلالة الكَوْنية المصيرية التي تؤسس الحراكَ الفلسفي لطبيعة اللغة الرمزية . والشِّعرُ هو الإشارةُ المعرفية التي تنطلق نحو أمكنة جَمالية لم تُكْتَشَف مِن قَبْل. ومن خلال هذا المنظور، يمكن استيعاب معالم البُنية الوجدانية للشِّعر ( الكلام الذي لا يُشْبِه الكلامَ ) .
ومِن هنا، فإن الشَّاعر يكتشف لغته الخصوصية بعيدًا عن اللغة الأم التي يتحدثها الجميع ، وهذا لا يعني أنه يحتقر اللغةَ الأم أو يرفضها أو يتعالى عليها، بل على العكس ، فالشاعرُ يبني عالَمًا موازِيًا للقدرة المعرفية للأبجدية الأم ، وينتقل من صيغ الواقع الأحادي إلى تفريعات المنحى الخيالي لاجتماعيات الذهن .