فضاءات

محمد النهاري يكتب: متوشحًا بالذهب على صهوة الأثر

كتبه : محمد أحمد النهاري اليافعي

في ظلمات الحرب، في هم الغُربة، في ظلام الجهل، وفي أيام الخوف والحرب، لم يكن رذاذ ذلك المساء الخريفي طبيعيًا؛ فقد تبدد مع قطراته كلُ موصوف، الثالث والعشرون من يوليو لعام ألفٍ وتسعمائة وسبعين كان خريفًا استثنائيًا.

جرى على أثره نهرٌ عظيم، وهدر سيل سهل والناس في الحرب والأفئدة في الخوف ونهار المهجر لم تكن معه الهواجس، وصاح في الآفاق منادٍ: إنّ الأوان قد حان أيها العماني لتشمّر يدك نحو الخوف والحرب والظلام والجهل، وإن القدر قد حان للسكينة والأمان والنور والعلم بسواعدكم جميعًا، وإن اليد قد انبسطت للبناء ثم البناء وإلى البناء.

كان ذلك الصوت هو قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- بعمر التسعة والعشرين عامًا وسبعة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، صدى للمهجر يسمع “للعمانيين الذين لم يكونوا موالين لوالدي في الماضي أقول عفا الله عما سلف عفا الله عما سلف. نأمل أن تتمكنوا سريعًا من العودة إلى وطنكم بحرية وأن تجتمعوا بأحبابكم في سلام وفي ولاء لبلدكم العزيز”، وصدى للحرب ” نرفض حرق أرضنا والتنكيل بالأبرياء لأجل حفنة من الشيوعيين ، وصدى للشعب ” كانت عمان بالأمس في ظلام ولكن بعون الله غدًا سيشرق فجر جديد على عمان و أهلها، وصدى للتاريخ” كان وطننا في الماضي ذا شهرة وقوة، وإن عملنا باتحاد وتعاون فسنعيد ماضينا مرة أخرى، وصدى للخارج ” سياستنا الخارجية تتلخص في نقطتين: عدم التدخل مطلقًا في شؤون الآخرين، والتعاون مع كل من يرغب بصدق التعاون معنا “.

كان ذلك الصوت أملًا حمل معه عفوًا وحلمًا وفكرًا وصدقَ عمل، فانطلق مشوار الخمسين عامًا بحلم ” حلمي أن أحقق لعمان ما فاتها طول السنين الماضية لتأخذ مكانها بين الأمم “، وطموح لا حدود له ” إنني أطمح لتحقيق الكثير، ولذلك مهما فعلت ومهما حققت فلن أكون راضيًا ولكنني مرتاح”، فكان – أثابه الله – ينظر إلى عُمان بلدًا متماسكًا وقد جنب كل أسباب الفرقة والشقاق، واتجه نحو البناء والنمو، وبعد أعوام العمل والاجتهاد وأيام المرض قد حلت، وعند عودته إلى عُمان لم يكن مستغربًا أن نسمع ذلك صوت مجددًا، بعد خمس وأربعين سنة يقول” وإننا نتطلعُ لمواصلة مسيرة النهضة المباركة بعزيمة وإرادة أكبر”.
كانت تلك هي الكلمات الأخيرة التي نسمعها والحماس والرغبة والعزيمة، التي لا تعرف الكلل ولا الملل لم يغلبها المرض عن عُمان.


تشرق علينا الشمس اليوم بالإشراقة ذاتها التي كانت قبل خمسين عامًا، وقد تحقق بفضل الله وبفضل المخلصين من أبناء عمان مع ملهم النهضة السلطان قابوس بن سعيد – رحمه الله – ما كان مع تلك الإشراقة في تلك السنين، حلمٌ وخيال قد صار اليوم حقيقةً، تستحضرني المشاهد المصورة للسلطان الراحل فأعيشها بزمانها ومكانها وظروفها، وما تلك الاستراحة في مجلس الراحل الشيخ أحمد الرقيشي عن بالي تغيب، وهو ينظر للأطفال ويلاطفهم وهم نواة جيل النهضة المنتظرة وكأنه ينظر إلى حصاده قبل أن يزرع! ولذلك اللقاء بمشايخ ولاية عبري حين قدِم إليهم، رغم وعورة الطريق واستقبلهم وجلس معهم وأكل معهم وتبادل ابتسامات الرضا، أو ذلك المجيء إلى نيابة أرزات رغم المخاطر ومصافحته الأهالي والأطفال بالابتسامة، وكأنه يطفئ لهيب الحرب منهم ويغمرهم سلامًا.

لأ أقول بأن الفارس قد ترجّل عن صهوة جواده بل أقول إن الفارس فوق جواده باقٍ بسيرته ونهجه ونظمه وعمله وأثره وبطولته، وقد أتى اليوبيل الذهبي متوشحًا وشاح فخر ومجد وتكريم وهو على صهوة الأثر الخالد، سيبقى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – شمله الله برحمته ومغفرته – أثرًا عابقًا تتحسسه وتستلهمه الأجيال .

النطق السامي من:
1-خطاب صاحب الجلالة إلى الشعب 9 أغسطس 1970م
2- حوار جلالة السلطان قابوس مع الصحفي جلال كشك لجريدة الحوادث اللبنانية عام ١٩٧١م


3- الخطاب الأول لجلالة السلطان قابوس يوم ٢٣ يوليو ١٩٧٠م

4- حوار جلالة السلطان قابوس مع الأهرام المصرية في عام ١٩٧١.م
5- حوار جلالة السلطان قابوس مع جريدة النهار اللبنانية أغسطس ١٩٧٠.م
6- حوار جلالة السلطان قابوس مع جريدة السياسة اللبنانية ٢٦ يناير ١٩٧٤م
7- خطاب جلالة السلطان قابوس في مجلس عمان عام ٢٠١٥م



محمد النهاري يكتب: متوشحًا بالذهب على صهوة الأثر
محمد النهاري يكتب: متوشحًا بالذهب على صهوة الأثر محمد النهاري يكتب: متوشحًا بالذهب على صهوة الأثر
Your Page Title