أحمد الراشدي يكتب عن أدب الأطفال: عندما تتكلم أصابع فرانس الألماني

أحمد الراشدي يكتب عن أدب الأطفال: عندما تتكلم أصابع فرانس الألماني
أحمد الراشدي يكتب عن أدب الأطفال: عندما تتكلم أصابع فرانس الألماني أحمد الراشدي يكتب عن أدب الأطفال: عندما تتكلم أصابع فرانس الألماني

 أحمد الراشدي-  باحث متخصص في أدب الأطفال والناشئة

ما الذي كان يمنع أنْ يتكلَّمَ العمُ محمّد بأصابعه مثل لينا الطرشاء! أو ما الذي جعل العم حامد المُقعد أن يتأخر 20 سنة حتى يخرج من بيته إلى العالم بعد أن ناهز الخمسين عاما وأكثر بقليل؛ رغم أنّ سارة المُقعدة كان عمرها أقل من 8 سنوات عندما أذِنت لها أمُها أن تخرج من البيت لتشتري لترًا واحدًا من اللبن وست تفاحات.

أعترفُ أني أشعر بغربة تزعجني منذ صغري لا أعرف سببها بيني وبين العم محمد الذي أصيب بالخرس منذ طفولته، وهو أحد الفلاحين البارعين في قريتي؛ فأنا لم أكن أعرف كيف أخاطبه وأتواصل معه! رغم أنَّ الكثير من مواقفه التي شهدتُها تدلُّ على حنكته الفريدة في الحياة؛ فما إن يقدم رأيًا بلغة متقطعة وبإشارات من يديه -التي أجد صعوبة في فهم مرادها-  حتى أدرك حتما تلك الحِنكة عندما يصلني ما يريد التعبير عنه.

لكني عندما تعرفت على الطفلة لينا في قصة «عندما تتكلم الأصابع» للكاتب الألماني فرانس –جوزيف هواينج([1]) (الصادرة عن دار البستاني([2]) للنشر والتوزيع في مصر، ترجمة هالة شريف، ورسوم: فيرينا بلهاوس) أدركتُ لغزَ تلك الغربة المزعجة التي بيني وبين العم محمّد؛ فهو لا يعرف لغة الإشارة بالأصابع، ولا حتى أنا.

[1]

[2]

 أما لينا الطرشاء بطلة القصة فقد استطاعت بكل سهولة ومرح ودفء أن تفهم ما يريدُ زميلها تامر الذي يعرف ويفهم لغة الإشارة، وأنْ يُعرّفَها على كلِّ الأطفال في الساحة بالإِشارات ويصبحوا أصدقاءها، بعد أنْ كانت تشعر بحزنٍ أنْ لا أصدقاء لها.

كما أنَّ لينا ستعرّفك بعلامة اسمك، فهي قد حفظت أسماء كل الأطفال الذين تعرفت عليهم بمنتهى السهولة «فكل اسم يمكن أن ننطقه من خلال علامات معينة تُشكلها الأصابع لكل حرف.. فمثلا أنا اسمي لينا وفي لغة الإشارة يرمزون إليّ بدائرة» (ص: 9) كما وقد بادرت ودعتهم للبيت؛ لتعرفهم على أبيها وأمها الأصمين؛ اللذين يعرفان أن جرس الباب يرن عندما يضيء مصباح معلق فوق باب المنزل الداخلي، كما أن لينا تشعر بالرضا؛ لأنها تترجم لوالدتها ما يقوله طبيب الأسنان عن حالتها.

إنه كتاب أعتبره رحلة اكتشاف وصداقة لي مع لغة الإشارة؛ حيث «تستطيع الأصابع أن تكوّن كل حرف من حروف الأبجدية، وتُستخدم أبجدية الأصابع في لغة الإشارة لتهجّي الكلمات والأسماء» (ص: 1). ليس هذا الكتاب وحسب؛ وإنَّما جميع السلسلة التي ترجمتها دار البستاني للكاتب فرانس –جوزيف هواينج.

 فكرسي العم حامد المُقعد –أحد أقاربي- صار يتَّسع للعالم بعد أن كان في شبه عُزلة دامت 20 عامًا؛ بعد أن أهدى له أحد الأصدقاء كرسيا كهربائيًّا؛ فقد كان قبلها يستخدم كرسيًّا بدائيًا ولم تكن وعورة المكان وجبليته حول بيته تمكّنه من السير عليه، أمّا الآن فهو يجلس كل عصر في المقهى مع أصدقاء جدد اكتسبهم، ويعتمد على نفسه في زيارة أرحامه وجيرانه، ويذهب للدكان ليشتري احتياجاته، بل ويمارس حياته حتى أكثر من الطفلة سارة المُقعدة في قصة «كرسي يتسع العالم» -القصة الثانية من السلسلة.

أرى أن أطفالنا في حاجة أن يقرأوا هذه القصة؛ بل سلسة فرانس – جوزيف هواينج القصصية كاملة؛ التي يفتقد النتاج القصصي في أدب الأطفال العربي لتلك الأفكار الملهمة فيها، والتي نحنُ وأطفالنا بحاجة شديدة لها مثل الهواء؛ حيث يسعى المؤلف بِحِرَفية  قصصية تُشعر القارئ الطفل بجمال الحياة وتسامحها، وتجعله يتقبل الأطفال الآخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأن يتصالح معهم، ويفهم حالتهم، كما يُلهم الكاتبُ خيالَ الطفلِ بالأحداث التي يَسردها كيف يمكن أن يعايش سلوكيا الأطفال الذين لديهم إعاقة لغوية أو حركية، ويشاركهم متعة اللعب، ويتقبلهم في الصف وفي الملعب وفي الشارع.

أقترح ضم هذه السلسلة إلى رفوف مراكز مصادر التعلم في المدارس، والمكتبات العامة وألا يُكتفى بذلك فحسب، بل أن تُفَعّل وتستثمر بجلسات وورش قراءة للأطفال ومطالعة في المدارس والمكتبات والبيوت.

*(تم نشر هذا المقال سابقا في مجلة أكثر من حياة الإلكترونية)

[1] كاتب وقاص ألماني، من مواليد 1966، موقعه الإلكتروني: (/http://franzhuainigg.at)، وصفحته على الفيس بوك: (https://www.facebook.com/franzjoseph.huainigg)

[1]

[2] الموقع الإلكتروني لدار البستاني للتعرف على السلسلة: ( http://www.boustanys.com/default.asp?pge=4)

[2]

Your Page Title