فضاءات

فلانة وزير أم وزيرة! تأنيثُ المسمى الوظيفي للمرأة بين التحجير اللغوي ومرونة اللفظ

فلانة وزير أم وزيرة! تأنيثُ المسمى الوظيفي للمرأة بين التحجير اللغوي ومرونة اللفظ
فلانة وزير أم وزيرة! تأنيثُ المسمى الوظيفي للمرأة بين التحجير اللغوي ومرونة اللفظ فلانة وزير أم وزيرة! تأنيثُ المسمى الوظيفي للمرأة بين التحجير اللغوي ومرونة اللفظ

 

د. زاهر بن بدر الغسيني- أستاذ مساعد في قسم اللغة العربية وآدابها، ومساعد عميد شؤون الطلبة للتوجيه والأنشطة الطلابية بجامعة السلطان قابوس

أكسبت الاختلافات اللغوية ثراءً معرفيًا للغة العربية، ومَنَحَتْها ميزة تفرَّدت بها عن اللغات الأخرى، ويبدو الخلاف اللغوي في واقعنا اليوم بين تأنيث مناصب المرأة وألقابها العلمية وتذكيرها؛ جديرًا بالوقوف عليه، نظير تباين وجهات النظر التي تحاملت على المرأة إقرارًا بخصوصية تذكير المسميات الوظيفية، حين تذهب للقول: فلانة وزير، فلانة وكيل، فلانة دكتور،.. إلخ، ولا أعلم أين غاب عنها تأنيث بلقيس (ملكة) سبأ، ولماذا لم نطابق إذًا بين الفعل وفاعله، فنقول: (صرَّح المسؤول فلانة)؟!

رجوعًا إلى أمَّات الكتب اللغوية، بدءًا من (المُذكَّر والمُؤنَّث) لأبي زكريا الفرَّاء (207هـ)، وإقراره المطابقة باعتبارها أصلًا لغويًا، ثم عَدَلَ عن ذلك بوجوب التذكير في معرض إشارته إلى المصروف عن أصله (مفعول إلى فعيل)؛ إذ يرى أنها مسميات تَغْلب في الرجال دون النساء، كما في قولنا: (أميرنا امرأة)، وهو الرأي الذي سار عليه –أيضًا- أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (تـ328هـ) في الجزء الأول من مؤلَّفه (المُذكَّر والمُؤنَّث)؛ حين أقرَّ بوجوب تذكير المسميات أيًا كان المقصود ذكرًا أَمْ أنثى: (ومما وصفوا به الأنثى ولم يُدخلوا فيه علامة التأنيث – لأن أكثر ما يوصف به المذكّر – قولهم: أمير بني فلان امرأة، وفلانة وصيُّ فلان، ووكيل فلان)، والرأي نفسه عند أبي الفتح برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المعروف بـ (المُطَرِّزي ت610هـ) في مؤلَّفه (المغرب في الأسماء دون الأوصاف)، حين يذهب للقول: (والإمام من يُؤتم به، أي: يُقتدى به، ذكرًا كان أَمْ أنثى، وترك الهاء هو الصواب؛ لأنه اسم لا وصف)، إلا أن مجمع اللغة العربية بالقاهرة خالف الآراء السابقة في دورته 44 عام 1978م؛ مستندًا في رأيه إلى المُسوِّغ اللغوي أنَّ وصف المؤنث بالمذكر يُعد مخالفةً لقاعدة لغوية أساسها مطابقة الصفة لموصوفها، فأصدر قراره: (لا يجوز في ألقاب المناصب والأعمال – اِسمًا كان أو صفة – أن يُوصف المؤنث بالتذكير، فلا يقال: فلانة أستاذ، أو عضو، أو رئيس، أو مدير)، وهو قرارٌ أيضًا له مآخذه عند بعض اللغويين، باعتبار مطابقة الصفة للموصوف لا تكون فيما يتساوى فيه المذكر والمؤنث معًا، مثل: المصدر، وصيغتي فعول وفعيل.

وبمنأى عن التعقيد اللغوي، واختلاف الآراء اللغوية وتباينها، تبدو القضية أكثر سهولة وواقعية حين نُسلِّم بمرونة اللغة العربية، ونُقِّرُ بتطويع استخداماتها وفق ظروف اليوم؛ بما لا يخدش كرامة اللغة وقواعدها، باعتبار اللغة خاضعة لتجدد الحياة، وهو ما أشار إليه جُرجي زيدان في: (الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية)، ومؤلَّفه الآخر (تاريخ اللغة العربية) في أن العربية: (فيما توالى عليها من العصور والأدوار أثناء نموها وارتقائها؛ من زمن الجاهلية إلى هذا اليوم، سارت سير الكائنات الحيَّة بالدثور، والتجدُّد المعبَّر عنه بالنمو الحيوي، إذ تولَّدت في العصر الإسلامي ألفاظٌ وتراكيبٌ لم تكن في العصر الجاهلي، وتولَّدت في العصور التالية ما لم يكن فيما قبلها. وأخيرًا؛ تولَّدت في نهضتنا الأخيرة من الألفاظ والتراكيب ما لم يكن معهودًا..)، وهو ما سارت عليه –أيضًا- اللغات الأجنبية في خصوصية خطابها الأنثوي، وأضرب مثالًا هنا باللغة الإسبانية لكوني على دراية بهذه اللغة، حين حدَّدت اللغة الإسبانية جنس الموصوف ذكرًا كان أمْ أنثى، وجاءت بخصوصية لغوية تجاوزت بها تغيير نهاية لفظ المسمى الوظيفي واللقب العلمي بحرفي (O للمذكر وA للمؤنث)، إلى أداة التعريف والتنكير: El للمذكر، و La للمؤنث، لتُفرِّق بها بين المذكر والمؤنث في المسميات الوظيفية: المحامي: El abogado، المحامية: La abogada، وحدَّدت أيضًا: Un للمذكر و Una للمؤنث: سياسي:Un Político، سياسية: Política Una، وقياسًا على ذلك، نبقى نتساءل: لماذا نتحامل إذًا على المرأة في خطابنا اللغوي؟

لا نظنُّ لغتنا العربية قاصرة عن مواكبة متغيرات الواقع – وهي التي مرَّت بمراحل متغيرة في ألفاظها؛ وحافظت على مكانتها بين اللغات بمرونتها، واستيعابها للمتغيرات – إن عرفنا فعلًا كيف نتخلص من تجميد اللفظ اللغوي وتحجيره من زاوية، وأخضعنا اللفظ لمتغيرات الحياة وتجدد ألفاظها من زاوية أخرى، فنتعامل بروح اللغة كما يتعامل القانوني بروح القانون؛ دَرْءًا للاضطراب اللغوي في خطاب الأنثى؛ لنكسبها خصوصية لفظية لغوية في مسمياتها الوظيفية، ومناصبها، وألقابها العلمية، في حقبةٍ أصبحت فيها المرأة ذات كفاءة تتولى بها مناصب قيادية تتساوى فيها ووظائف الرجل ومسمياته العلمية، فالأجدى فعلا خصوصية خطابها الأنثوي: (فلانة وزيرة، فلانة وكيلة، فلانة دكتورة، فلانة عضوة …إلخ).

Your Page Title