الأولى

مقال قانوني: العقوبات البديلة؛ الإشراف القضائي نموذجًا

ما عقوبة الاعتداء على المرأة الحامل والتسبب في إجهاضها؟
مقال قانوني: العقوبات البديلة؛ الإشراف القضائي نموذجًا مقال قانوني: العقوبات البديلة؛ الإشراف القضائي نموذجًا

مسقط-أثير

إعداد: إيمان بنت حمد الشعيلية، باحثة ماجستير في تخصص القانون الجزائي بجامعة السلطان قابوس

تعد سياسة التجريم والعقاب، جزءا لا يتجزأ من السياسة الجنائية إلى جانب سياسة الوقاية من الإجرام، وتتميز تلك السياسة على مر الأزمنة بحركية واضحة تعكس خاصية التطور الذي تشهده باستمرار تبعا للنظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكل دولة على حدة.

ويقصد بالتجريم إضفاء الحماية الجنائية على مصلحة معينة تعد من المصالح الأساسية التي تهم المجتمع، واعتبار كل فعل أو امتناع يمس بتلك المصلحة جريمة يعاقب عليها بعقوبات يحددها القانون.

وعموما كان للتاريخ العقابي رقعٌ في بناء مفهوم حديث للعقوبة يجسد لها صورتها المثالية فالتطلع على تجربة الآخرين وتطور الفكر لديهم يعد من أهم الدروس التي يجب الاستفادة منها بعقول مبصرة.

ويقول الفيلسوف جورج برنارد شو: ”من أجل إصلاح الفرد يجب جعله أفضل، ولا نجعله أفضل بأن نسيء إليه“.

من هذا المنطلق استوجب توجه السياسة الجنائية الحديثة إلى اعتماد جملة من العقوبات والتدابير مرتبطة بإصلاح المذنب، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تجاوز مختلف العقوبات التقليدية مثل السجن في المؤسسات العقابية التي أظهرت عيوبا تجاوزت مزاياها، وفي هذا الإطار ظهرت في الفقه والقانون الجنائي جملة من الحلول الداعية إلى استبدال العقوبات التقليدية ببدائل حديثة يمكن تطبيقها وفق شروط وضوابط محددة.

ويقصد بالعقوبة هو الجزاء الذي يوقعه القاضي باسم المجتمع على كل شخص ارتكب فعلًا أو تركًا مخالفًا للقانون.

ولم يستقر الفقه على تعريف محدد للعقوبات البديلة، لكن المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي قد عرفتها على أنها: ”مجموعة من الإجراءات التي يتخذها المجتمع لمعاقبة المخالفين لقوانينه بهدف إصلاحهم وتطبيق العقوبة عليهم دون تنفيذها داخل أماكن تجعلهم في عزلة من المجتمع.“ وعرف المشرع البحريني في القانون رقم (18) لسنة 2017، العقوبة البديلة على أنها تلك العقوبات التي يجوز للقاضي أن يقضي أو يأمر بها بدلاً عن العقوبة الأصلية.

وتهدف العقوبات البديلة إلى الحد من الجريمة وبسط الأمن والاستقرار داخل المجتمع، ولعل العقوبة البديلة تحمل في طياتها جملة من المزايا والفوائد على الصعيد الاجتماعي والإصلاحي والاقتصادي، إذ يعد من أهم مزايا العقوبة البديلة على الصعيد الاجتماعي هو تفادي تجريد المحكوم عليه من هويته الاجتماعية، لاسيما وإن كان محكوما عليه لأول مرة والذي يمكن للسجن أن يشكل تكوينا لاحترافه للجريمة بعد فرصة اختلاطه بالمجرمين الخطيرين، فضلًا عن الحد من أزمة السجون، خصوصًا الأحكام الصادرة بعقوبات سالبة للحرية قصيرة المدة، وما يترتب عنها من آثار تنعكس سلبا على المؤسسات العقابية مما يشل يدها عن تنفيذ برامجها التأهيلية والإصلاحية المتوخاة لإصلاح المحكوم عليه وإعادة دمجه في المجتمع، أما على الصعيد الاقتصادي فتشكل العقوبات البديلة أهمية في تفادي إرهاق خزينة الدولة، إذ من المعلوم أن منظومة السجون في كل دولة تستهلك أموالا طائلة لتسييرها وتحمل أعبائها، حيث إن العقوبة البديلة تعفي الدولة من أعباء الاعتناء بالمساجين خصوصًا في تحسين ظروفهم وصيانة حقوقهم بما يتفق مع حقوق الإنسان.

ولعل من أبرز أشكال العقوبة البديلة هو الوضع تحت الاختبار أو الإشراف القضائي، وعرفه الفقيه محمود نجيب حسني على أنه: ”نظام عقابي يجرى خارج أسوار المؤسسات العقابية، قوامه معاملة تستهدف التأهيل، وتفترض تقييد الحرية عن طريق فرض التزامات، والخضوع لإشراف شخص“.

ويعد الإشراف القضائي وليد تجربة فردية في الولايات المتحدة عندما تقدم صانع الأحذية (جون اوجستس) إلى محكمة بوليس مدينة بوسطن في عام 1841 يطلب منها إيقاف النطق بالعقوبة على شاب متهم بالإفراط في السكر، وتعهد بالإشراف عليه وضمان حسن سلوكه في المستقبل، ولقد أدى النجاح الكبير الذي حققه هذا العمل إلى جذب الأنظار نحو أهمية هذه العقوبة البديلة كوسيلة فعالة تمنح للمذنب رعاية اجتماعية خاصة وإعادته إلى أحضان مجتمعه.

وقد ظل نظام الاختبار القضائي محتفظا بصبغته الأنجلو أمريكية ردحًا من الزمان حتى اعتنقت الدول الأوروبية نظام الاختبار القضائي بالنسبة للجناة البالغين والأحداث على حد سواء، وقد بدأ ذلك في القانون الإنجليزي 1887م والقانون الهولندي عام 1915م والقانون السويدي 1918 والقانون النمساوي عام 1920 والقانون الألماني عام 1953 وقانون العقوبات الفرنسي في نصوص المواد 132-63 إلى 132-65 الذي أخذ بنظام تأجيل النطق بالحكم مع الوضع تحت الاختبار القضائي.

وبالرجوع إلى التشريعات العربية، تبيّن أن أغلب التشريعات قد تبنّت الوضع تحت الاختبار أو الاشراف القضائي للأحداث الجانحين، غير أن المشرع المصري قد نص في المادة (110) من قانون الطفل رقم 12 لسنة 199م على أنه: ”ينتهي التدبير حتمًا ببلوغ المحكوم عليه الحادية والعشرين، ومع ذلك يجوز للمحكمة في مواد الجنايات بناء على طلب النيابة العامة، وبعد أخذ رأي المراقب الاجتماعي الحكم بوضع المحكوم عليه تحت الاختبار القضائي، وذلك لمدة لا تزيد على سنتين.“ وهذه الحالة الوحيدة التي أخذ فيها المشرع المصري بنظام الاختبار القضائي لمتهم قد تجاوز سن الرشد الجنائي.

أما بالنسبة للمشرع العماني فقد سلك مسلك التشريعات العربية المقارنة على قصر (الوضع تحت الاختبار القضائي) في نطاق محدود، وفيما يتعلق بالأحداث الجانحين، حيث ورد في قانون مساءلة الأحداث رقم 30/2008 في المادة (20) على أنه تدبير من تدابير إصلاح الأحداث الجانحين، الذي عرّفه في المادة (22) على أنه: ”يكون الاختبار القضائي بوضع الحدث الجانح في بيئته الطبيعية تحت إشراف وتوجيه المراقب الاجتماعي، ويحدد الحكم متطلبات الاختبار ومدته على أن لا تجاوز سنتين..“

ونشير إلى أن قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2018/7 لم يتضمن العقوبات البديلة، واقتصر على تشريع العقوبات الأًصلية والتبعية والتكميلية، ونرى ضرورة استحداث العقوبات البديلة في فصل مستقل في قانون الجزاء، وتشريع الوضع تحت الاختبار أو الاشراف القضائي وتعميمه على البالغين أسوة بالأحداث في القضايا غير الخطرة وفق شروط وضوابط محددة بما يتفق مع السياسة الجنائية الحديثة، وتفعيل آلية منظمة لتطبيق العقوبات البديلة، ومراقبة تنفيذها من أجل تحقيق الغاية منها.

Your Page Title